في مستوى قضايانا .. سلسلة مقالات الشيخ الفضلي
عبدالهادي الفضلي*
إن الأمة ـ أية أمة ـ لا تستطيع أن تدخل التاريخ متوفّرة على معطياته من وحدة اجتماعية كبرى، أو كيان سياسي ذي نفوذ، أو وجود دولي معترف به، ما لم تعش بمستوى قضايانا.
انبعاثاً في التفكير، وانطلاقاً في العمل، واستهدافاً للغاية، وأخيرًا السعي المستمر وراء تحقيق الهدف…
وذلك.. فقد تكون الأمة من الوعي لذاتها والفهم لوجودها والشعور بمسؤوليتها العامة بالمستوى الذي يدفع إلى خلق القادة، منبثقين من بيئتها نتاجًا قياديًا يحتل القمة فيقود الأمة إلى ما تهدف إليه ويحقق لها آمالها المنشودة في الحياة…
والأمة هكذا هي في مستوى قضيتها ـ غالباً ـ في التفكير والعمل والغاية، وقد تكون الأمة قليلة الوعي لذاتها قليلة الفهم لوجودها ضئيلة الشعور بمسؤوليتها العامة بسبب تمزق وحدتها وتصارع حضارات دخيلة على عقول أبنائها…
والأمة هكذا هي دون مستوى قضيتها تفكيراً وعملاً وغاية…
ومن الواضح، أن هبوط الأمة دون مستوى قضيتها أقوى عامل في تأخرها وفي سيطرة الغير عليها سواء في الفكر أو الحكم.
ومن الواضح أيضاً، أن مثل هذه الأمة التي لا تقوى أن تحصل على عطاء التاريخ اجتماعياً وسياسياً ودولياً، تنتظر القادة الملهمين الذين يعملون بدافع من شعورهم الذاتي بالمسؤولية العامة على انتشالها من وهدة الهبوط دون مستوى القضية ورفعها إلى مستوى قضيتها في كل مجال ومع كل وسيلة وإلى كل غاية.
وإلى هنا.. وفي ضوئه:
إن أمتنا الإسلامية اليوم في تاريخها القائم ليست هي في مستوى قضاياها وعياً لذاتها وشعوراً بمسؤوليتها، وذلك لتمزق وحدتها اجتماعياً وسياسياً، وتصارع الحضارات الكافرة من غربية وشرقية بائدة حاول دعاتها أن تعود – تصارعها على فلول أبنائها.
إلا أنها – أعني الأمة الإسلامية – تملك من القادة الملهمين من يعون خطورة الوضعية ويدركون تعقد المشكلة ويعيشون المأساة آلاماً دفع إلى آمال، وضعفاً ينهي إلى قوة.
ومن هؤلاء القادة من يعيش مستوى القضية فكرياً وعملياً وهدفياً .. وآثارهم ثقافياً وسياسياً تشير إلى ذلك.
غير إننا نفقد في بعضهم أن يعيش بمستوى القضية عملياً إيماناً منهم بمبررات تتفاعل أمام النقد وتتحول إلى سراب عند التضحية… والذين أطفالهم لا يملكون الإيمان بالقوة، أو أنهم لم يمارسوا التجربة.
والعقيدة وحدها قوة لا تقف أمامها حواجز أو سدود، والتجربة – بطبيعتها – تتطلب شيئاً من التضحية.
والذي نأسى له -هنا- هو خسران الأمة لهولاء القادة إذا لم يرتفعوا إلى مستوى القضية في العمل لتقطف الأمة ثمار جهودهم وجهادهم.
وهل قوام الارتفاع إلى مستوى القضية غير الإيمان والصلابة والاستقامة الإيمان بالمبدأ، والصلابة في الدعوة إليه، والاستقامة في تطبيقه.
((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي))
((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ))
((لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ))
ومن الطبيعي أن الصلابة في الدعوة والاستقامة في التطبيق يتطلبان ثمناً باهضاً من التضحية كفاء عطائهما الوافر في نجاح القضية.
أليس بفضل جهود أولئكم القادة الذين ارتفعوا إلى مستوى القضية في كل مجال انتشر الشعور بالمسؤولية العامة بين الكثيرين من أبناء المسلمين، وبدا وعي الأمة لذاتها يشق طريقه بين صفوف أبنائها.
غير أن قضيتنا ونحن في بداية الطريق تتطلب من الآخرين أن يرتفعوا كذلك إلى مستواها في جميع ما يقولون وما يعملون، ذلك أن المشكلة ليست صدوعاً في الأطراف يكتفى معه في الإصلاحات الجانبية، وإنما هي مشكلة فساد من الجذور تقتضي إصلاحاً من الجذور.
والفشل في التجربة طريق النجاح (والخطوة الأولى تمهد السبيل إلى الخطوة الثانية) كما يقولون.
فلنكن في مستوى رسالتنا رسالة الحياة، لنعود على أمتنا بالحياة.
ولنكن في مستوى مسؤلية القيادة التي فرضها القرآن الكريم بقوله تعالى: (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)).
*فقيه وعالم دين وأكاديمي