كيف يكسب الأبناء آبائهم؟
*عباس الموسى
منْ أهمِّ النِعمِ التي يعيشُها الإنسانُ في حياتِهِ أنهُ يعيشُ في ظلِّ أبويْنِ، يرْعَيانِهِ ويُربِّيَانِهِ ويَعطِفانِ عليهِ، ويَغدِقانِ عليهِ بكلِّ أنواعِ المحبةِ والعطفِ والرحمةِ، وقدْ خُلقَ الإنسانُ بطبيعتِهِ أبًا أوْ أُمًّا رحيمًا ودودًا بأولادِهِ، ولِذا نجدُ كيفَ يتعَبُ الأبُ منْ أجلِ توفيرِ لُقمةٍ الحياةِ لأبنائِهِ، وكيفَ تَفدِي الأمُّ ابنَهَا بروحِها وجسدِهَا كَي يعيشَ دفْءَ الحياةِ ويتغذَّى بغذاءِ العاطفةِ والحنانِ.
كلامُنا اليومَ معَ أولادِنا الشبابِ وعلاقتِهِمْ معَ آبائِهِمْ، وقبْلَ ذلكَ عليهِمْ أنْ يلتفِتُوا إلى أنَّ الاختلافَ العُمرِيَّ بينَهُمْ وبينَ آبائِهِمْ ولَّدَ مسافاتٍ متباعدةً منَ الثقافةِ والعاداتِ والتقاليدِ والأفكارِ ومُدْخَلاتِ العصرِ الحديثِ بينَ الجيلينِ، مما ساعدَ في بروزِ بعضِ المشاكلِ في بعضِ الأحيانِ.
اليومَ وفي ظلِّ هذهِ التطوراتِ العالميةِ المتعددةِ يفكرُ الشبابُ بطموحاتِهِمْ ورغباتِهِمْ وميولاتِهِمْ للحصولِ على الكثيرِ منَ الأمورِ، وفي بعضِ الأحيانِ تصطدِمُ هذِهِ الرغباتُ والميولُ بمعارضةِ الآباءِ، فمثلًا يريدُ الولدُ أنْ يسْهَرَ ويبقَى خارِجَ المنْزِلِ إلى الفجْرِ والوالِدُ لا يرغبُ، يريدُ الوَلدُ أنْ يصاحِبَ بعضَ الأشخاصِ والوالِدُ لا يرغبُ، يريدُ الولَدُ أنْ يحصُلَ على مختلِفِ الأجهزةِ الالكترونيةِ والوالِدُ لا يرغَبُ، والسؤالُ الذي ينبغِي أنْ ينفتِحَ عليهِ الشبابُ بعقلانيةٍ: لماذا يعارِضُ الوالدُ بعضَ الرغباتِ؟ هلْ منْ طريقةٍ حكيمةٍ يتعاملُ بها الشبابُ معَ آبائِهِمْ لكسبِهِمْ والحصولِ على رغباتِهِم؟
بعضُ الشبابِ دائمًا مستهلكٌ، يريدُ أنْ يأخُذَ ولا يُعطِي، على الأقلِّ فكِّرْ بمستوى الرِّبحِ والخسارةِ، بمستوى المقُابِلِ معَ الأبَوينِ، اصْنَعْ لهُما كَي يَصنعا لكَ؟
أحاولُ هُنا أنْ أُبينَ بعضَ الأمورِ والسياساتِ النافعةِ للأبناءِ والتي منْ خلالِها يجذِبونَ آباءَهُمْ ويكسِبُونَهُمْ، وهيَ أمورٌ:
أولُها: فَهْمُ الوالدَينِ ورغباتِهِما: منِ الجميلِ أيُّها الشابُّ أنْ تتفَهَّمَ أبويكَ وتتعرَّفَ طبيعَتَهُما ومِزاجَهُما وتطلُّعاتِهِما، وتحاولَ أنْ تنسجِمَ معهُما في ذلكَ قدرَ الإمكانِ، لكي يشعُرُوا بأنَّكَ تعيشُ معهُما وعلى خُطاهُما.
ثانِيهَا: التواجُدُ والاختلاطُ معَ العائلةِ: بمعنى حاوِلْ أنْ تجلِسَ معَ أبوَيكَ في أوقاتٍ متعددةٍ، خلالَ الوجباتِ والاستراحاتِ، تؤنِسُهُم وتشعرُهُمْ بالتقديرِ والاحترامِ وتستميلُ قلوبَهُم، فإن انشِغالَكَ في جميعِ أوقاتِكَ خارِجَ البيتِ معَ الأصحابِ يصنَعُ الحواجزَ.
ثالِثُها: تحمُّلُ مسؤوليةِ البيتِ: أعزائيَ الشباب، إنَّ الوالدَينِ يتحملانِ مسؤوليةَ المنزلِ في مختلفِ الأمورِ، لو ساعدناهُم في تحمُّلِ بعضِ المسؤولياتِ وخفَّفْنا عنهُمُ العناء، سيشعرُونَ بالسعادة والراحة، وحينَها سنكونُ في أعيُنِهِمْ رجالًا وكِبارًا، ويمكنُ أن يُخوِّلونَ لنا بعضَ المسؤولياتِ، وحينَها نستطيعُ أن نحقِّقَ رغباتِنا برضًا منهُم.
رابِعُها: الصدقُ وعدمُ التحايُلِ: كُنْ صادِقًا معَ أبويكَ في الأقوالِ والأفعال، لا تُخفِ عليهِمْ شيئًا، لا تكذِبْ، لا تتحايَلْ للوصولِ إلى مراداتِكَ، إذا كنتَ صادِقًا معَ أبويكَ ستزرعُ الثقةَ بينكَ وبينهُمْ، وبالصدقِ والثقةِ يتآلَفُ قلبُكَ معَ قلوبِهِمْ فتتمكنَ منْ تحقيقِ مراداتِكَ متى ما رغبْتَ برضًا منهُمْ .
خامِسُها: الطلبُّ بقمةِ الأدبِ مع الأبوينِ: إنَّ للأدَبِ والخُلُقِ تأثيرًا بالغًا في حياتِنا ومعاملاتِنا، وكذلِكَ الحالُ معَ الآباءِ، فجيدٌ أنْ نَتَعلَّم يا أبنائي كيف نخاطِبُ آباءَنا ونُحاوِرُهُمْ ونطلِبُ منهُم، ومنْ عباراتِ التأدُّبِ عندَ الطلبِ مثلًا: لو سمحت، هل تأذن، اسمح لي، هلْ مِنْ مجالٍ للسفرِ ؟
سادِسُها: اجعلْهُمَا موضِعَ الاستشارةِ قبلَ تنفيذِ أيِّ أمرٍ وعمَلٍ، أَشْعِرهُمْ بمكانَتِهِمْ في تصرُّفاتِكَ.
سابِعُها: السمعُ والطاعةُ: وهما مِنْ أجمَلِ الأخلاقِ المؤثرةِ مع الآباءِ، فعندَما يشعرُ الأبوانِ أنَّك تسمعُ لكلامِهِما وتمتثِلُ طلباتِهِما؛ فإنهُما سينفذانِ لكَ ما تريدُ عندَما تحتاجُ، لا تكُنْ مخالِفًا لرغباتِهِما، ثم ترغبُ أنْ يحقِّقا لكَ ما تريدُ، مِن أنجعِ الكلمات حينما يَطلبُ منك أبواكَ أمرًا أن تقولَ: (إنْ شاءَ الله)، ردِّدْها، اجعلها جوابًا لأبويكَ عندَ كلِّ طلبٍ، سارِعْ في قضاءِ حوائِجِهِما، ستَرى أثَرَ ذلِكَ حتمًا.
وليستِ المسألةُ مقايضةً عندَ الأبوينِ؛ قدِّمْ لي لكَي أقدِّمَ لكَ، كلَّا، بل إن همَّهُما الأكبرُ أبناؤُهمُ، فلتَنظُرْ ماذا فعلْتَ لنفسِكَ ممَّا يرضيهِما، الوالدانِ يرغبانِ أنْ تكونَ طالبًا مجتهدًا في دراستِكَ الأكاديميةِ، أنْ تكونَ متديِّنًا ملتزِمًا، أنْ يجِدَاكَ في كلِّ موقعٍ حسنٍ، وبأفضلِ صورةٍ، وقطعًا سيقدمانِ لكَ كلَّ ما تريدُ بحسبِ القدرةِ والإمكاناتِ، وفي الحقيقةِ إنَّ كلَّ ذلكَ لكَ وليسَ لهُما.
أبنائيَ الشباب، لا يوجدُ أبٌّ ولا أمٌّ في هذِهِ الحياةِ وبما أودعَهُ اللهُ فيهِما من عاطفةِ الأبوَّةِ والأمومةِ لا يريدانِ لأولادِهِما المصلحةَ، فعندَما يمنعُكَ أبوكَ منَ السهَرِ أوِ السَفَرِ أو غيرِ ذلكَ، فهوَ يدركُ خطورةَ ذلِكَ عليكَ، قدْ يلتفِتُ الوالدُ إلى أنَّ هناكَ أشخاصًا قدْ تتضرَّرُ منهُمْ مثلاً، وقدْ يدركُ خطورةَ اندِفاعِكَ في أمرٍ وعدَمَ التِفاتِكَ لأضرارِهِ وسلبياتِهِ، وإنْ لم يكُنِ الوالدُ متعلِّمًا وأكاديميًّا، لكنَّهُ خاضَ تجربةً وتعلَّمَ الكثيرَ منْ أمورِ الحياةِ، وسَتُدْرِكُ ذلك حينما تكبُرُ وتعيشُ دورَ الأبِ.
لذا أيُّها الأحبةُ الشبابُ، لا بدَّ أنْ ننفتِحَ على آبائِنا، نتحاورَ معَهُمْ، نبثَّ إليهِمْ همومَنا ومشاكلَنا، نستشيرَهُمْ لكلِّ حاجاتِنا، لأنَّ واقعَ الحياةِ يقولُ: لنْ يقِفَ معكَ في مشاكِلِكَ سِوى والدِكَ، وليكُنْ في ذهنِكَ دائمًا أنكَ مهما تعلمْتَ وأتقَنْتَ التكنولوجيا سيبقَى الآباءُ أصحابَ الخبرةِ والتجربةِ، وأهلَ المحبةِ والشفقةِ، الذينَ يتحركونَ دائمًا في مصلحةِ أبنائِهِمْ.
اللهمَّ (واجْعَلْ طاعَتِي لِوالِدَيَّ وَبِرِّي بِهِما أقَرَّ لِعَيْني مِنْ رَقْدَةِ الوَسْنانِ، وَأثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ، حَتّى أُوْثِرَ عَلى هَوايَ هَواهُما، وَأُقَدِّمَ عَلى رِضايَ رِضاهُما، وَأسْتَكْثِرَ بِرَّهُما بِي وَإنْ قَلَّ، وَأسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِما وَإنْ كَثُرَ؛ اللّهُمَّ خَفِّضْ لَهُما صَوْتِي؛ وَأطِبْ لَهُما عَرِيكَتي؛ وَاعْطِفْ عَلَيْهِما قَلْبِي؛ وَصَيِّرْنِي بِهِما رَفِيقاً، وَعَلَيْهِما شَفِيقاً).
*رجل دين وأستاذ حوزة