يا ساعيًا صوب العراق
سهيل محمد
مَنَّ الزَمانُ مَذاقَ حُلْوٍ حارا
بِمَصُوغِ جِرمٍ زَاوَلَ الأَسحارا
لَما خلى بَيتُ ابنِ جَدي عَن عَدايَ أتَى فَأَنفَذَ عَنبَرًا فَوارا
صَلْتُ الرُوانقِ رَغْمَ أَنْ لَم يُبدِها
تَهوى النُفوسُ لِطَلْعِها إسفارا
شَفَّت مَنابِعَ أُحكِمَتْ في خَطِّها
بِيَدِ الإلهِ على مُحِبٍّ زارا
مُتَدافِعًا بالتَوقِ مَال مُجرَّدا
وأهَلَّ أنفاسًا تَصُبُّ النارا
بَأَرِيجِه لَعَبَ المَرِيجُ مُقَلقِلًا
نُهُرَ الجَوارِحِ وَاستَصَبَّ شَرارا
فَرُمِضتُ مِن رَمضَاءِ بَضٍّ بَارقٍ
كَمُصَقَّلٍ صِلٍّ عليَّ توارى
وَبِوارفٍ أَلقَاهُ بَينَ سَواعِدٍ
وَبِأشنَبٍ أَكسى الشِفاهَ حِوِارا
مَا لُزَّ فِي شَفَتَيَّ حَتّى خُلتُهُ
عِقدَ الدرَاري يَنتَضِي أنوارا
بِلِبانِ حُمرٍ كالمُدامةِ غُذُّيَة
رِيقي وَمِبدَانٍ جَعَلتُ ديارا
قَلدّتُه آمَالَ أَوطارٍ فَلَم
يُحسِن إلَيَّ مَوَدَّةً وَجِوارا
وَالآنَ يَحسِبُ أَنَّهُ مُتَقَلِّدٌ
مِن ذاتِيَ الأَوصالَ وَالأغوارا
فَدَفَعتُهُ فِي رِقَةٍ وَصَدَدتُهُ
ما عُدتُ أحمِدُ شَملَهُ إنْ صَارا
فَلَقَد تَناسى أَنَّ عَهدِيَ مُحدِثٌ
مِن أَمرِيَ الإحجامَ وَالإدبارا
كَنِعَ اشتَياقِي عَن هَوايَ إلى الصِبا
حَاشا الأمَانِي أنْ يَكُنَّ عَذارى
فَتَلَمَّسِي غَيرِي لِحَظِّكِ واعلَمِي
مَا كُنتُ يَومًا فِي الزَمانِ خيارا
وَالبُدُّ يَبدُو فِي اجتِنابِ لَذِيذَةٍ
مِن تِينِ قَدٍّ عِندَ قَدٍّ غارا
كِيما أُصِب حَاجًا فَإنَّ مَجَنَّتِي
دَأبٌ حَوى التِحنانَ وَالتِصبارا
أمَا الأتِياتُ الشِّدادُ فَذي لها
مِن أمرِيَ الإقبالَ وَالإكبارا
لَو تَعلَمي كَم مِن وَخِيمٍ قَد فَحا
أنَّ القَرِيبَ مِنَ الحياةِ مَرارا
خَسِئَ الذِّي يَألُو لكَربٍ إنَّهُ
لَمُحَمَّلٌ مِن فَوقِ عَارٍ عارا
تَكفِي أُمُورٌ ما أطَقتُ عَنائَها
أُلقَت فَبِتُّ مُحَمَّلًا أوزارا
سَأُوَكِّلُ الربَّ اعتمالَ جَوارِحي
والله سَوفَ يُمَهّدُ الأقدارا
وَلَقَد عَجِبتُ مِنَ الذِينَ عدَدتُهُم
عَضَداً وَأَهلًا والعظِيمُ تَوارى
طَعِموا وَأُعطوا المالَ مِن أبَتِي فَلَم
يُجدِي وَكَانوا خُيَّبًا أَشرارا
شُمْطُ تَعَوّدَنّ القُدُومَ وَأجلَبُوا
فِي دارِنا نَقماً جَلا إمرارا
وَضَعُوا مَكاتيبًا بِجُدرانٍ بِمَنزِلِنا فُأترِعَ دَربُنا أَوعارا
بُغضٌ وَشَعوذةُ لغِيلانٍ لها
خُبثُ الضِباعِ تُنَشِّبُ الأظفارا
وَخُؤولَةٌ وعُمُومةٌ مُخرُومَةٌ
لَا أحْسَنَت وِدًّا وَلا أوصَارا
وَأَبٌ غَشِيمٌ فِيهِ ذَمُّ مَجَرَّةٍ
أجرَت عَلينا حَاصِبًا ضَرَّارا
رَفع الإلهُ لَهُ المَصافَ فَلَم يَزَل
يَنحَطُ حَتى أَن هَوى فانهارا
حَفِظَتكَ أُمِّي بالوَفى وَقَهرتَها
وَظَلَلتَ تَكذِبُ دَائبًا وَمِرارا
وَنَشَزتَ فِي سِنٍّ رَذِيلٍ وَاجِمًا
وَطَمِحتَ فِي مَن لا يَجوزُ مَزارا
حَتى غَدَت أمِي كَمَن لَم يَكتَنِي
رُوحاً فَأضحَت أيّمَا مِحيارا
ضَيَّعتَني وَمَنَعتَني أَخْذَ الشِفا
فَانظُر سُهَيلًا كَيفَ باتَ وَصارا
لا زِلتُ في زَهْرِ الشبابِ وَها أرى
دَهراً يَبِينُ وَيَأبَهُ الإنظارا
يا لَيتَ شِعري هَل أبِيتُ لِلَيلَةٍ
فِي حُضنِ يَثرِبَ أستَلِّذُ قَرارا
أو فِي تِهامةَ وَالصَّواعِقُ عُكّفٌ
عِندَ الجِبالِ تُرِيعُ أيًّا سارا
يَا لَيتَ شِعرِي قَبْضُ عِيشٍ قَانِعٍ
والعِيش دَبَّ مُبَدِّلًا أطوارا
قَدْ أقطَعُ اللَيلَ الطَوِيلَ بِفِتيَةٍ
سُمرٍ وَبِيضٍ تَخلِبُ الأبصَارا
فَنَصِيرُ فِي شُطئانِ بَحرٍ نَرتَوِي
مِن زَهرَةٍ حَبَشِيَّةٍ مُصطارا
وَنَسُوقُ مِن نَظمٍ زَكِيٍّ لَحمَهُ
وَنَمُجُّ أعسالًا لَنا وثِمارا
ونَجِيء شادِيَةً تُرَجِّعُ غِنوَةً
لِتَمَلَّكَ الأسماعَ والأنظَارا
وَلَرُبَّ صُبحٍ لَم يُبَلِّغ ضَوءُهُ
أرضاً ليَنشُرَ عَبرَها الإبكارا
وَافى السحابُ بِها العَنانَ كَأنهُ
هُدْبُ النَسائِجِ واستوي أستارا
وَأَتَت هَبُوبٌ نَاوَحَت دَفَقاتُها
مَدّاً ندَّيًا مِن شِمالٍ مارا
أمّا السَماءُ فَنَمَّ عَنها وَابلٌ
مُتَرنِّحٌ بِالمَدِّ أنّى سارا
فَشَممتُ ممزوجًا لعطرٍ من سَنًا
غَمرَ العَجَاجَ وَلاثَمَ الأمطارا
وَتَزاوَرَت رُوحِي أحايِينٌ مَضَت
وأجَاب دَمعي كالسَّما مِدرارا
أيَامَ كُنتُ كَما أحبُّ وأرغَبُ
وَالآنَ وَلَّتْ ما أرى تِكرارا
يا ساعِيًا صَوبَ العِراقِ ألا أرِي
مِنِّي الجَوابَ وَبَلِّغِ الأقطارا
بَلْ يا شَغُوفًا بالرسولِ وآلِه
يا مَنْ يُجِدُّ لِوَصلِهِم بِقُصارى
قُل يا عَلِيُّ سُهَيلُ يُقرِئِكُ السَلا
مَ ويَرتجي أَن تَعرِفَ الأخَبارا
يَا من أحب وَيا مَدى لَهفِي إلى
رُؤياكَ مِن شوقٍ جَرى أنهارا
لا ثَلبَ فِي حُبٍ عَلِيٌّ مَلْكُهُ
إنَّ المَحبَّةَ للرِّجال حَرارا
زَخَّت شُمُوسُكَ يا عَلِيُّ أَكِلةَ
شَعَتْ لِكُلِّ النَاسِكِينَ مَنارا
لا يَستضِيء المَرءُ مِن إِفرَندِها
إلا وَأُهدِيَ فِي الذَّماءِ وَقارا
قَد كُنتَ لَباسًا لِكُلِّ مُلِمَّةٍ
وَمُجَشِّمًا لا يَتَّقِي الأخطارا
يَا يَومَ صِفِينٍ أَشرْتَ إِلى الرَدى
فَإذا الرِجالُ مَعَ الرِجالِ تَبارى
صَوَّبتَ فِيها الخَيلَ تَرجُمُ بالحَصى
فَرَسَمتَ مِنها فِي المَدارِ مَثارا
طَرَدَت حوافِرُها التُراب فَعَجَّجَت
بَدَلَ الغبارِ على الفَضا إعصارا
بِميَامِنٍ وَمَياسِرٍ وَأواسِطٍ
وَمؤخراتٍ والسرى السيارا
جَندَلْتَ بَدءاً خَمسَةً في نَقعها
بِمُحَفّرٍ حَسَنٍ غَزا وأجَارا
ثُمَّ استَلَبتَ مِنَ المِئاتِ نُفُوسَها
كَي يَعلَمَ المُختَالُ ماذا دَارا
فَأتى ابنُ عاصٍ لابنِ باغٍ يَجتَدي
خُبثاً لخُبثٍ مَانَعَ الإظهارا
إِذ قالَ: إبرُز يا ابنَ هِندٍ إنَّ ذا
سَفَكَ الكُماةَ وَزَعزَع الأقَطارا
فَأبى ابنُ هِندٍ وارَتمى فِي خِدرِهِ
وَعَلَيُّ يَخضِبُ بالدِماءِ قِفارا
وَاختارَ أَن يُكنى بِجَوفِ سُرادِقٍ
في حِينِ أزهَقُ جُندَهُ مُختارا
لا فَرقَ بَينَكَ إنَّ شَأنَكَ شَأنُهُ
شَأنٌ لِسلمى أَو جَنَى وَتَمارا
لَو لَم تُزِلْ أََمرَ الإلهِ لما انتَفى
رَأسُ الحُسَينِ بِكَربَلا إصرارا
لَو لَم تُزل أَمرَ الإلِه لَما جرى
ما قَوَّضّ الإسلامَ حتَى خَارا
ألّبْتَ أحبابًا وجِئتَ مَصائِبًا
جَهرا تَحُضُّ وَتارَةً إسرارا
لا لَستَ مَظلُوما وَلا مُتَأَوِّلًا
بَل جَيأَلٌ نَتنٌ أَحَلَّ ذِمارا
إذْ كُنتَ تَدري أنْ مُرادُكَ قابِعٌ
فِي حِرزِ مَقتَلَةٍ وجُرْمٍ جارا
تَسبي إِماءَ الله في الأنبارِ يَا
عَجَباً لأمرِكَ وَالعظِيمُ تدارى
تَعدُو وَتَنتَهِبُ النساءَ وَتَجتَني
حَيَّرتَنِي وَالله يا خَوارا
إنَّ الإمامَ سَباكَ لمّا لقِيتهُ
وَكَساكَ خِلخالًا وَثُمَّ خِمارا
والأشتَرُ النَّخعِيُّ وَكّفَ وابِلًا
بِظُبا السُيوفِ وَبالقَنا البَقّارا
شَقَّ الجُموعَ وَما استَطاعُوا صَدَّهُ
فَتَشَرذَمَة تلك الجُموعُ فِرارا
وَالأشتَرُ النَّخعِيُّ كانَ لِهولِها
أهْلاً يَخوض مَعَ السِنِينِ غِمارا
لَيثُ اللِيُوثِ يَرى الحروبَ إثارةً
تُضرِي إثارَتَهُ وَأيُّ إثارا
حَمَلَتهُ أمٌّ لَبَّنَتهُ دِمائَها
بَذَلَتهُ وَهجًا يَصطَلِي تِسجارا
وَأتى بِإبراهِيمَ رَسَّخَ حَذوَهُ
مِنْ ما خَطاهُ فضَعضَعَ الكفّارا
ما هَمَّ أبطالٌ لنَصرِ إمامِنا
إلّا وخَلَّدَ ذِكرُهُم أسطارا
وَلَهُم بإذنِ اللهِ يَومَ نُفِورِهِم
ما جاعِلٌ مِن كُلِّهِم مِظفارا
أعَلِيُّ أَرجُو فِي الجِنان إجَازَةً
إِن كانَ بالإمكانِ مِنكِ جِوارا
ما للدُّنَى حَرْثٌ يُوَفِّي عِيشَتي
إلاكَ فِي شِعرٍ تَلا أشعارا
هذا كِتابي وَالخِتامُ تَحِيَّةٌ
وَمُرادُها أنْ نُدرِكَ الأبرارا