أقلام

سجن وهمي

زينب المحمد

جهازي العصبي يستغيث فعلا الآن، ويطلب الرحمة يا الله ! كم هو مرهق العيش في عصرنا الحالي. إنه عصر إدمان الكافيين، وإدمان العمل، وعصر الحركة السريعة! ويجب عليّ الركض بين مئات المهام اليومية وإنهائها لكي أحقق أهدافي وأصل لحياتي المثالية التي أتخيلها قبل أن ينقضي الوقت وأتقدم بالعمر، وقبل أن أصل عمر الأربعين وأصبح كهلة لا تصلح لهذا الواقع المشتعل بطاقة الشباب الذين يحققون إنجازات رائعة وكبيرة جدًّا ويكونون ثروات هائلة بعمر صغير وهذا حقًّا رائع، ولكن! هل هو حقًّا شيء رائع؟؟
قبل عدة أيام حيث كنت أستلقي بملل، وأتنقل مثل النحلة بين البرامج على هاتفي الملتصق براحة يدي يكاد، لا يفارقني حتى في نومي، أتصفح وأرى ماذا يحدث في العالم، وماذا يفعل الناس في يومهم الطويل. بدأت ألاحظ تلك الفتاة بعمر العشرين تكتب قصة نجاح علامتها التجارية، وكيف حققت المليون ريال في بداية حياتها، ثم تلك الفتاه الجميلة التي تزوجت من شخص ذي مكانه عالية بالمجتمع، ذي جاه ومال ومنصب، وأخرى تجوب العالم وتسافر بحرية كالطير المحلق بالسماء الواسعة دون حدود وقيود، ومن حقق إنجازات علمية وعملية أيضًا، ويبدوا أنهم يعيشون نشوة الانتصار والفخر بأنفسهم، بينما هنا أنا فتاة بالثانية والعشرين ربيعًا في سنتي الثالثة من دراستي الجامعية لا أزال أحاول حفظ أسماء العضلات وتذكرها نظرًا لدراستي اختصاص العلاج الطبيعي الذي أحبه حبًّا جمًّا وأفتخر بذلك.
ولكن قضيتي هي أنني عندما أرى تلك الدماء الشابة بالخارج تتخطى حدود الواقع الذي أعيشه، وتعيش مراحل متقدمة بالنسبة لي جعلني أشعر بالحنق حقًّا وأتساءل: ما لذي أفعله بحياتي؟؟
أشعر بأنى فاشلة وعديمة الفائدة!
أين تذهب كل طاقة الشباب المختزنة بداخلي؟
أريد أن أكون ملهمه أنا أيضًا، وأريد أن أروي قصة نجاحي كما يفعلون، وأشارك لحظات الانتصار والإنجازات بفخر على منصات التواصل لكي أشبع غروري وأكون فعلًا راضية عن نفسي وعن حياتي.
في وسط عاصفة الأفكار والمشاعر المحتدمة بداخل رأسي بأعجوبة ظهرت شعلة من الإدراك جعلتني اتوقف لثوانٍ، وأستوعب!!! ما لذي جعل كل هؤلاء الشباب على ما هم عليه الآن؟ جاءني الجواب من عقلي كالشهاب اللامع وسط العتمة: ٱنها اختياراتهم! نعم إنها اختياراتهم وقراراتهم التي اتخذوها، والتي قادت للنتائج التي هم عليها اليوم. ولكن الفرق بينهم وبين غيرهم من المتأخرين حسب مقياس العمر هو متى اتخذ كل شخص القرار بفعل ما يجب فعله ليحقق ما يريد.
فأن نجاحك يبدأ بالوقت الذي اتخذت القرار فيه لتبدأ الرحلة، وهذا غير مرتبط بالضرورة بعمرك الحالي، فهناك من صنع ثروة وحقق المليون قبل سن الخامسة والعشرين، وهناك من حقق الهدف نفسه في سن الثلاثين أو الأربعين، أو ربما الستين من يعلم!! فهناك الكثير من القمم وقصص النجاح والقدوة ما يكفي لكل شخص أن يحقق ما يريده على ضوئها، ولكن يعتمد على وقت اتخذ القرار بفعل ذلك.
وهنا تأتي أزمة الوقت والعمر حيث نكون -نحن جيل الشباب- منضغطين وقلقين حين نواجه حقيقة أننا بالعشرينات الآن، ولدينا الكثير من الأهداف لتحقيقها، ونعاني من قوانين المجتمع التي يفرضها علينا، فهو من قرر أنه يجب على الفتاة الزواج بعمر العشرين، وهو من قرر أنه يجب إنجاب طفل بعد أول سنة من الزواج، وهو من قرر أنه يجب عليك بعمر الرابعة والعشرين أن تفعل كل شيء بالشكل الصحيح وتُكوِّن عائله وتنجح بعملك بوقت واحد.
يجثم الاستهجان على صدري من هذا السجن الذي وضعنا أنفسنا فيه، إنه بعمري هذا يجب أن أكون بالطريقة المحددة هذه، إن العمر مجرد رقم وليس مقياس لما يجب أن تكون عليه، وإنك تصنع حياتك بنفسك وفق قراراتك التي تتخذها الآن في هذه اللحظة، وليس عليك أن تحدد فشلك ونجاحك بناء على الرقم الذي يكون بجانب اسمك في سجل المعلومات. فشلك أو نجاحك يحدده ما تفعله الٱن، وما تتخذه من خيارات! ولا يجب أن تشعر بالذنب أو العار لمجرد أنك لم تستطع تحقيق ما حققه الآخرون ممن هم في مثل عمرك، لأنه لا يمكنك تحقيق كل شيء مرة واحدة، فالحياة الاستثنائية والواقع المبهر الذي تريد أن تصل إليه يتطلب مراحل وتدرج، فتلك البناية الشاهقة لم تظهر من العدم بل بْنيت على شكل أدوار تدريجيًّا حتى اكتملت، واعكس هذا المقياس على نفسك، وقرر من أين تبدأ. ولكي تبدأ يجب ان تعرف أين مكانك الآن، وإلى أين تريد الوصول، لأنك إن لم تعرف ماهي مرحلتك الحالية لن تستطع معرفة من أين تبدأ لكي تنطلق لوجهتك القادمة.

ولا يهم كم تأخرت عن وصولك لوجهتك، بل ما يهم هو لذة الوصول عندما تعيش لحظة الانتصار، وفي نهاية السباق تكون سعيدًا بالتجربة وممتلئًا بالفخر لأنك وصلت لخط النهاية.
ختامًا، جرب التحرر من سجن الوقت والأرقام وانغمس بمتعه صنع واقعك الذي تريد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى