أنت نتيجة أفكارك
عبدالله البن عيسى
مع تطور الدراسات في مجال علم النفس وعلى وجه الخصوص في العقل الباطن، وعن أثر اللاوعي في سلوك الإنسان منذ الطفولة، يعي الإنسان أهمية معرفة كوامن العقل، وعن أثره في إدراك الإنسان وسلوكه.
وهنا سأسرد بعض الأقوال في هذا العنوان، وأثر العقل الباطن واللاوعي والتفكير في وعي الإنسان وسلوكه.
يقول الدكتور جورج ميرڤي (١) وقد تتفاجأ عندما تعلم أن كل المعتقدات والميول التي ترسخت بداخلك منذ الطفولة المبكرة ما تزال تعيش بداخلك، ولا يزال لديها من القوة ماتستطيع أن تؤثر به على حياتك. وجميعنا يمتلك الكثير من تلك الأفكار والمعتقدات التي تناسيناها منذ زمن بعيد، والتي ربما لها أصول من مرحلة الطفولة. وهذه الأفكار والمعتقدات مختبئة في أعماق تلك الغرفة المظلمة التي تمثل “عقلنا الباطن”. ومعرفتك بهذا الأمر يجب أن يوضح لك لماذا قد حان الوقت لكي تطور احترمًا صحيًّا لأفكارك.
ويعطي بذلك أمثلة توضح ذلك فيقول: إذا كنت تعتقد أن الجلوس بالقرب من المروحة سوف يصيبك بتيبس العنق، فسوف يعمل عقلك الباطن على إصابتك بتيبس العنق. وليست حركة المروحة التي تمثل جزئيات حميدة من الطاقة تدور في تردد عالٍ هي التي ستسبب لك ألم الرقبة، ولكن اعتقاداتك الخاطئة هي من سيفعل ذلك، إن المروحة غير مضرة كما تعتقد. وإذا كنت تخشى من إصابتك بالبرد لأن شخصًا في مكتبك عطس، فإن خوفك سيتحول إلى تحرك عقلي سيخلق ما تتوقعه وتخشاه وتؤمن به. وسوف تلاحظ أن بقية زملائك في المكتب يصابون بالبرد لأنهم لايؤمنون به، وإنما يؤمنون بالصحة.
قال أحد الحكماء ” ماكنت أخشاه بشدة قد لحق بي ” وعلى الجانب الآخر، من أين تظن أن قوة الشفاء الإعجازية تستمد قدراتها؟ من العقل الباطن نفسه، فإذا ملأت غرفتك المظلمة بحقائق عظيمة، فإن صورة سوف تعكس تلك الحقائق، وسوف يتقبل عقلك الباطن تلك الحقائق، وسوف تصبح خاضعًا لقوة عقلك الباطن التي ستجبرك على الشفاء، وعلى السكينة. وكما أن الطعام الذي تأكله يتحول إلى دماء تجري في عروقك، فإن هذه الأفكار تستقر في عقلك وتؤثر على حيات. إنك تكرر فكرة ما، مرة بعد مرة، حتى تصبح طبيعة ثانية لك.
فيتضح هنا أن التركيز على الفكرة التي تطرأ في ذهن الإنسان سواء كانت إيجابية أو سلبية يكون أثرها على حياة الإنسان واضحًا وبالغًا جدًّا، فهو بمجرد تركيزه سيعطيها أهمية وتتكون في عقله حتى تنعكس على سلوكه، وهنا يظهر الإنسان إما إيجابيًا سعيدًا أو سلبيًّا واجمًا، فالإيجابية والتفاؤل أمر هام روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): ” تفاءلوا بالخير تجدوه “(٢) يذكر الدكتور المصري الشهير إبراهيم الفقي رحمه الله (٣) في رسم توضيحي عنوانه (الفكر يؤثر على النتائج)
التفكير -> التركيز -> الأحاسيس -> السلوك = النتائج
وهنا إما أن تكون النتائج سلبية أو إيجابية، والتي بدأت بها الفكرة والتركيز عليها.
إذن: أنت نتيجة أفكارك، هذه الفكرة التي طرأت في ذهنك وخصوصًا إن كانت سلبية هل ستزيد التركيز بها، إذن ستتحول إلى مشاعر تشعر بها، والتي تنعكس بذلك بشكل واضح على السلوك الذي يكون ناتجًا على التعامل مع الآخرين سلبًا وماقد يسبب من أذى نفسي على الذات ونفور من الآخرين أو عزلة عنهم،
وعلى العكس تمامًا التركيز بالفكرة إيجابًا يصنع من الإنسان إنسانًا مُنطلقًا مرحًا سعيدًا وينعكس ذلك في تفاؤله وحديثه وتعامله مع الآخرين، ونعني هنا أن الفكرة بخصوصياتها، إن كانت سلبية أن التركيز بها طويلًا يحولها الى إحساس ينتج عنه الشعور السلبي الذي يجعل من الإنسان قلقًا،
ويظهر ذلك في السلوك الذي كان هو نتيجة الفكرة حينما جعلنا تركيزنا عليها تركيزًا سلبيًّا.
وفي موقع (طب يب) يذكر حول القلق أنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق أو بالفزع من حين إلى آخر، أما إذا كان الإحساس بالقلق يتكرر في أحيان متقاربة دون أي سبب حقيقي، إلى درجة أنه يعيق مجرى الحياة اليومي الطبيعي فالمرجح أن هذا الإنسان يعاني من اضطراب القلق، هذا الاضطراب يُسبب القلق الزائد وغير الواقعي وشعورًا بالخوف، وهو يفوق ما يمكن اعتباره رد فعل طبيعي على حالة معينة (٤) ومن باب الشيء بالشيء يذكر تذكر معصومة علامة (٥) في توطئة عن الوسواس حول العالم كشفت الإحصاءات عن أن نحو ٥٪ من مجموع البشر مصاب بالوسواس القهري، ففي الولايات المتحدة وحدها نحو ٦ ملايين أميركي، ويصاب به الذكور والإناث على ذات الدرجة، ولكنه يختلف باختلاف السبب، إذ ثمة من تراوده أفكار وسواسية تجاه قارورة غاز يخيل إليه أنها ستنفجر، أو أفكار وسواسية تجاه غسل اليدين أو الأوعية يخيل إليه أنها مازالت نجسة فيعاود غسلها مرارًا وتكرارًا.
وهذه قد تشكل صراعًا نفسيًّا، والتي منابعها كما يذكر الدكتور فاخر عاقل (٦)
١- الموانع المحيطية التي تحول دون إرضاء الحوافز
٢- العيوب الشخصية التي تتداخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة (عن طريق استجابات الآخرين) في إرضاء الحوافز
٣- الحوافز المتضاربة
ويمكنكم مراجعة كتابه للتفصيل أكثر.
والحديث هذا المجال طويل وكبير وعليه قامت دراسات علمية واسعة، ولا نغفل عن الأدوار الأخرى التي تؤثر في طباع الإنسان منها عوامل وراثية وهذا يتحدث به المختصون بهذا المجال، ولكن نحن مايهمنا هنا هو أن يعي الإنسان أن سلوكه كثيرًا ماينتج عن أفكار، والذي بمجرد أن يغير من طريقة تفكيره والتركيز بها أن كانت سلبية وأن الفكرة بالتركيز بها ينتج عنها المشاعر ثم السلوك، وأن التفكير الإيجابي يكوّن سلوكًا إيجابيًّا ينعكس ذلك على ذاته أولًا، وعلى حياته الأسرية والإجتماعية، فليعِ الإنسان، ولا يستسلم للأفكار السلبية حتى لايكون أسيرًا لها، وإنما يتخلص منها بالوعي والإيجابية، وليكن واعٍ دائمًا وإيجابيًّا حتى يشعر بالصحة النفسية والقوة الإيجابية في ذاته، والتي تنطبع في أفكاره وتظهر في سلوكه
…… .
المصادر
١- قوة عقلك الباطن (الدكتور جوزيف ميرڤي) ص٢٢ص٢٣
٢- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٣٥٣
٣- قوة التفكير ( الدكتور ابراهيم الفقي) ص٣٥
٤- موقع طب ويب https://www.webteb.com/mental-health/diseases/القلق
٥- كي نتغلب على الخوف والقلق والوسواس ص٩ (معصومة علامة)
٦- علم النفس (الدكتور فاخر عاقل) ص٢٢٥