الحاجّة أم احمد
ايمان الموسى
في كل مجلس عائلي أو عرس أو زوارة نسائية توجد الحاجة أم أحمد!! فهي لا تفوت أي تجمع أو وليمة، وتلبي نداء حاجتها النفسية في التقصي والبحث، وتشبع بنهم فضولها اللا محدود مع أي امرأه تجلس بجانبها، وتبدأ حوارها اللا نهائي! وتحضر أسئلة لتخوض في حياة هذه الجالسة بجانبها، وتبدأ شيئا فشيئا بسؤال بسيط، ويتلوه سؤال آخر بلباقة مدمجة بخبث، عن الغداء، والعشاء، وعدد أفراد العائلة، وأين يقضون إجازتهم، وتغوص في أعماق هذه المرأه كغواص ماهر، وثعلب ماكر للبحث ودراسة أوضاعهم وكأنها (المحقق كونان)، ولا تعطي فرصة للالتفات يمينا أو شمالا، وكأنها تقرأ الأسئلة من كتاب لا نهاية له! وتبدأ الجالسة تتضايق منها، لأنها تشعر كمن مُسكت من خناقها للاستجواب الإلزامي، ووضعتْ تحت المجهر.
لا مفر من أم أحمد، حتى أن عينيها بدأت تدور، فهي متابعة بإلحاح، وكأنها تقول في داخلها إلى أين؟ لم أنتهِ منك؟ سأفصفص حياتك (من طأطأ لسلام عليكم).
الجالسة بجانب أم أحمد بدأت تشعر بدوار في رأسها، ولم تتمتع بجلستها مع المعازيم، فهي مكبلة بوابل طويل من البحث والتحري عن حياتها وخفاياها ونعم الله عليها، ولن تتركها أم أحمد حتى (تصكها بعين) وتحسدها على بيتها وعائلتها ونمط معيشتها وقوامها وجمالها وصحتها، وآه من أم أحمد لا تكل ولا تتعب، فهي تستمتع وتستفرد بالنساء لتستطلع، وتعد النعم، وتحسد، حتى كلمة ما شاء الله لا تقولها.
أم أحمد اشتهرت بين مجتمع النساء! وصار الجميع يتحاشى الجلوس بجانبها، وقد وصل الخوف من عينها إلى الحرص على قراءة المعوذتين (ومن شر حاسد إذا حسد)، وتتفنن أم أحمد في أسلوب التقصي والسؤال، لأنها خبرة سنوات؛ تعرف المرأة من شكلها، ومن أي منفذ تدخل إليها، وتطرق باب الكلام والاستجواب، ولا أظن طلاب دراسات البحث والجنايات والتحقيق أشطر منها، بل هي تتغلب عليهم في التمرس.
ولو حاولت قلب الدور عليها، بسؤالها والبحث في حياتها، ستراوغ بمكر الثعلب، ولن تصيد منها أي معلومة حقيقية، لأنها تخاف على حياتها، وأبناءها من الحسد!! وهي ضربة موجعة توجهها لمن تمكنت منه وخدعته بتصرفاتها المخادعة، لأنها تعطي صورة المرأة المتدينة، فالمسباح لا يقع من يدها، وهي أول من يقوم للصلاة، وتلبس العباءة الواسعة الفضفاضة، وتحارب الغيبة، وتصلي الليل، وتسمع القرآن يوميا، ولكنها نسيت أن التقصي والبحث، والحسد، وكشف أسرار الناس، ومضايقة الناس والتحري في أمورهم الخاصة لايجوز، وحرام، وتحاسب عليه حسابا عسيرا.
(……) نسيت أن أقول بأن أم أحمد لا تموت!! إنها كابوس لا ينتهي، فهي تورث ابنتها نفس الأسلوب والطريقة، لتتابع الوريثة نفس نمط حياة الأم، مع إضافة بهارات، واكسسوارات التطور الاجتماعي، من حيث التمدن في المظهر.