المسبحة المباركة
عبد الله اليوسف
في أحد الأيام دخلت على أمي العزيزة غرفتها ذات الطابع التراثي، والمزينة جدرانها بالصور الإيمانية والآيات القرآنية، وتفوح منها رائحة البخور والعطور.
فتحت أمي صندوقا خشبيا قديما ملونا ومطعما بالفضة، وتناولتْ منه منديلا أخضر ملفوفا، بداخله مسبحة ملونة، حباتها منسقة بشكل جميل. ورقعة من الجلد مكتوب عليها أسماء الله الحسنى، وأصول الدين وفروعه، وأسماء أهل البيت عليهم السلام.
سألتُ أمي عن حكاية هذه المسبحة، فقالت: هذه هدية لذكرى زواجي من أبيك المرحوم.
ثم قالت: سأخبرك بقصة مسبحة الزهراء عليه السلام: لقد صنعتها سيدتنا من طين قبر الحمزة عليه السلام. وحكت لي قصة تعليم النبي للزهراء وعلي هذا التسبيح، وبينت لي فضله.
وهو: (ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة).
روي عن الأمام الصادق عليه السلام: (تسبيح الزهراء فاطمة (ع) في دبر كلّ صلاةٍ، أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام فقد ذكر الله ذكراً كثيراً».
قالت لي أمي: هذا التسبيح المبارك يربطنا بالزهراء عليها السلام، ويذكرنا بها في كل صلاة. والزهراء هي العقد الفريد والرابط المقدس حيث تمثل العصمة، و هي مصدر النور في الأرض، وأم الأئمة. و هي الحوراء الإنسية، وبضعة النبي (ص)، فقد قال عنها النبي: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني). وبلغ من حب الرسول (ص) لابنته فاطمة أن يكنيها بـ (أم أبيها).
السيدة الزهراء عليها السلام تمثل المرأة الكاملة. والقرآن الكريم يصدح ليلا ونهارا بآيات ومواقف للزهراء (ع) كسورة الكوثر وآية التطهير وآية المباهلة وقصة الإطعام.
ثم أخرجت من صندوقها العجيب كتابا عنوانه (فاطمة الزهراء أم أبيها) للكاتب فضل الحسيني الميلاني، وهو فائز بالجائزة الأولى في مسابقة الكتابة عن الصديقة الزهراء عليها السلام، وكان قد أهدي إلى أمي في ذكرى ميلاد الزهراء عليها السلام.
قبلت رأسها ويديها وشكرتها على هذه الهدية الجميلة، المتزامنة مع قرب شهادة الزهراء عليها السلام.
قالت: اقرأ يا بني الكتاب واستمع إلى الخطباء البارزين لكي تتعرف على تفاصيل فقدها عليها السلام، والذي يعد أهم المنعطفات التاريخية؛ بذلك التشييع الهادئ في ظلمة الليل البهيم، حيث العيون نائمة والأصوات خامدة.
وهنا أجهشت أمي بالبكاء وقالت: ضاع عمر بضعة النبي وهي في ريعان شبابها.
مرت لحظات صمت يملؤها الحزن لذكر هذا المصاب الجلل.
الحمد لله على نعمة الأم المحبة والموالية التي تزرع حب محمد وآل محمد في نفوس وقلوب أبنائها.
اللهم اجعلنا من المحبين والموالين والمناصرين لمحمد وآل محمد بأقوالنا وأفعالنا.