آفاق العمل التطوعي الاجتماعي والوطني
طالب عبد الحميد البقشي
يعد العمل التطوعي أحد أهم عناصر القيم ضمن منظومة الدين الإسلامي، وله بعد تاريخي متجذر في أدبيات الثقافة الإسلامية، فقد حث عليه التشريع الإسلامي من خلال الآيات القرآنية، كما ذكر في نص الآية الكريمة (فمن تطوع خيرًا فهو خير له) وفاضت المصادر الإسلامية بالأحاديث التي تحض على هذا الأدب النبوي ومنها (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
ويشكل العمل التطوعي قيمة تربوية عالية المضامين تربي في الأنسان نوازع الصلاح والرغبة في العطاء والأعمال الخيرية وتقديم الخدمات الإنسانية.
وانتشار ثقافة التطوع بين الأفراد يساهم في رفع الفاعلية لتقديم الخدمات والمبادرات الإنسانية التي ترتقي بالمجتمع والوطن وتساهم في بناء جيل واعٍ ومدرك لأهمية التطوع في مسيرة تحقيق التنمية الاجتماعية المحلية والتقدم الوطني.
ويشهد العمل التطوعي تحولًا واسعًا في مفهومه، فقد كان يقتصر على الأفراد والمؤسسات الخيرية وفرق الإغاثة والإسعاف، إلا أن هذا المفهوم توسع في العقد الأخير وبدأت المؤسسات الرسمية للدول المتقدمة تتبنى العمل التطوعي، وتشرك أفراد المجتمع في دائرة العمل المنظم والموجه لتحقيق أهداف التقدم والتنمية الشاملة.
وفي وقتنا المعاصر تزايد الاهتمام بالعمل التطوعي على الصعيد المحلي لما له من أهمية بالغة في بناء الفرد والمجتمع على قيم ترتقي وتنهض بالأمة.
وتبني العمل التطوعي بالشراكة بين مؤسسات الدولة الرسمية وأفراد المجتمع يمثل قفزه نوعية وتجربة تكاملية جديدة وواعده لما لها من أهمية بالغة في أشراك العنصر البشري المجتمعي في الأعمال التطوعية التي تساهم في التنمية الاجتماعية والوطنية، وتؤسس لطفرة حضارية ونهضة شاملة تحقق التقدم والتطور المستقبلي، كما أن الشراكة المجتمعية في العمل التطوعي مع مؤسسات الدولة الرسمية يعمق الرابطة التفاعلية ويعزز الانتماء بين أفراد المجتمع والوطن.
وفي بدايات تجربة العمل التطوعي المؤسسي والشراكة المجتمعية التكاملية تحت المظلة الرسمية تجلى دورًا حيويًا في أثراء تجربة التطوع ورسم مسار وتوجه العمل التطوعي وتنظيمه لتحقيق الأهداف العليا للتنمية الشاملة فقد شهد العام الأول لهذه التجربة مشاركة واسعة من الشباب السعودي في مجالات كثيرة للعمل التطوعي والإنساني.
وتتعدد مجالات وأهداف العمل التطوعي مابين تقديم الخدمات الإنسانية النبيلة التي يحتاجها المجتمع ولاسيما الفئات الاجتماعية التي لها احتياجات تتطلب أن تقدم لها مبادرات المساندة والدعم والإسهام المباشر في التنمية الاجتماعية وبين تقديم الخدمات والمبادرات التطوعية العامة لمرافق الوطن التي تساهم في التنمية الوطنية.
وتطوير العمل التطوعي ضرورة مرحليه لطي الخطى لتحقيق استراتيجية التقدم الحضاري المستقبلي ويتم ذلك من خلال تجويد المبادرات والمشاريع التطوعية التي تصب في تحقيق الأهداف العليا فقد كانت أعمال التطوع محدودة وتقتصر على المساعدات الإنسانية البسيطة وأما في المرحلة المعاصرة فيمكن إشراك العنصر البشري في أعمال متقدمة ومتطورة تخدم التنمية الاجتماعية المحلية والوطنية ومنها -على سبيل المثال وليس الحصر- المساهمة في المبادرات الإنسانية المقدمة للمستشفيات والمرافق الصحية والتعليمية والجمعيات الخيرية التي تقدم من خلال حزمة الأعمال الإلكترونية المنفذة عبر أجهزة الحاسوب.
وحرصت الدول المتقدمة على العمل التطوعي المجتمعي، فقد تم إدراج العمل التطوعي كعلم يدرس في المدارس والمعاهد والجامعات ويتم تقدم الدورات التدريبية والتعليمية لمؤسسات المجتمع المدني والأهلي وطرح مفهومه وأهدافه ومجالاته لتحقيق السبق الحضاري.
وقد خصص للعمل التطوعي يومًا عالميًا يحتفل به في كل أرجاء العالم ويوافق اليوم الخامس من ديسمبر من كل عام لما له من مكانة حضارية لدى الأمم.
وفي تقرير أممي حديث للعام 2022 م عن حالة التطوع العالمي تم الإشارة إلى أن العدد الإجمالي للمتطوعين والمتطوعات، الشهري بلغ في سن 15 فما فوق 862.4مليون متطوع ومتطوعة في جميع أنحاء العالم، وهناك اختلافات إقليمية كبيرة، حيث تضطلع آسيا والمحيط الهادئ بدور قيادي قوي بينما تتراوح معدلات التطوع الشهري في الدول العربية وأوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بين 9 و10.6في المائة، فإن معدلات منطقة أفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ تفوق ذلك بكثير؛ إذ تبلغ معدلات التطوع الشهرية نسبة 17.2 في المائة و17.5 في المائة على التوالي.
وللتوسع في العمل التطوعي فأن له آفاق رحبه يمكن أن يتم الاستفادة منها في دعم برامج ومشاريع التنمية الاجتماعية والوطنية والسير في خطا التنمية الشاملة فهناك الكثير من المبادرات التطوعية الحديثة يمكن أشراك أفراد المجتمع بها والتي تتطلب أن يتم تزويدهم بالمعارف والمهارات التعليمية ليمكنهم المشاركة في المبادرات التطوعية التي تنضم عبر القنوات التطوعية الرسمية ويمكن تحقيق ذلك عبر إدخال معارف العمل التطوعي في المناهج التعليمية الي تعزز وترفع من أعداد المتطوعين من الأجيال القادمة.
وفي ضوء أزمة الاقتصاد العالمي الخانقة للأمم والمجتمعات تتزايد القيمة المستقبلية للتوسع في العمل التطوعي والإنساني الذي يعد رافدًا رئيسًا من الثروة البشرية المستدامة المساندة لدعم مسيرة التنمية الشاملة للمجتمع والوطن.