السيد فاضل آل درويش
ورد عن مولاتنا الزهراء (ع): فجعل الله الإيمان تطهيرًا لكم من الشرك، والصلاة تنزيهًا لكم عن الكِبر)(وسائل الشيعة ج ١ ص ٢٢).
هذه التحفة السنية من مولاتنا الزهراء (ع) تحمل مضامين عالية في بيان الهدفية والغاية من فرض أهم العبادات وهي الصلاة، فهذا البرنامج العبادي ما فرضه الباري على عباده – تعالى عن ذلك – خاليًا من تلك المكتسبات التي تزين شخصية المؤمن وتهذب سلوكه بروح التواضع والاحترام للغير بل هي برنامج تهذيبي، فالعبادات جلها تحمل الفوائد التي تعود على العباد أنفسهم بالنفع والصلاح، فهناك عوامل تفلت المرء عن عقال الرشد والاستقامة والاتزان، وهي: الأهواء والشهوات المتفلتة إن انساق الفرد خلفها منقادًا كالأعمى، إذ توقعه في مستنقع الرذائل والمعايب والانحطاط الأخلاقي، وفي ميادين الحياة تحديات وابتلاءات مختلفة يحتاج فيها الإنسان إلى ما يسعفه وينبهه ويحذره من الاقتراب منها، واليقظة الروحية والضمير الواعي من ثمار الصلاة الخاشعة والوقوف بين يدي الباري، فمشاغل الحياة وضغوطاتها قد تأخذ بنفسه مأخذها ويحتاج إلى ما يعيد لها نشاطها وتفاعلها، فإذا ما وقف بين يدي الرحمن أدرك عظمته وتصاغر في قلبه كل شيء من القوى المادية حتى قواه الشخصية، ويتأكد عنده مفهوم صغره وضعفه أمام مختلف القوى المؤثرة في حياته، وما أجمل أن يفوض العبد أمره وتدبير شئونه إلى خالقه بعد أن يأخذ بالأسباب ويعمل ما بوسعه، كما أنه – من خلال الصلاة – يستحضر لحظات غفلته وارتكابه الموبقات وأوجه التقصير فيتجدد ندمه و يتأكد عزمه على طهارة النفس مستقبلًا.
والصلاة بحسب ما أشارت له مولاتنا الزهراء (ع) لها انعكاسها وتأثيرها على جميع مجريات أمورنا وتصرفاتنا، تهذب النفس من الشوائب الأخلاقية وتنقي الوجدان من الأوهام المضلة والأفكار الخاطئة، فالعدو الثلاثي (النفس الأمارة بالسوء – الشيطان – الشهوات والأهواء) يكبح جماحها الوقوف في محراب الصلاة وتقيد أعداء النفس بسلاسل الورع عن محارم الله تعالى والخشية من عظمته، فينفتح الإنسان بروح الكرامة والاحترام لنفسه وصيانتها عن الزلل وروح التواضع لعباد الله تعالى دون أن يغره ما حصل عليه من أسباب القوة والاقتدار المادي من مال أو جاه أو مرتبة علمية أو مواهب، فالجاهل هو من يعيش النقص في ذاته فيستصغر الآخرين بعد انتفاخ ذاته وشعوره بالعظمة، فهذا القرآن الكريم قد ذكر لنا نماذج مختلفة لمن أصيبوا بأصل البلاء والشرور وهو الكبر، فهذا إبليس قد انحرف عن جادة الطريق بعد عبادته لله عز وجل، وذلك بسبب شعوره بالكبر والعظمة أمام آدم (ع) المخلوق من الطين، فكان له الخسران المبين وضياع تلك المدة الطويلة من الطاعة بسبب هذا الداء الكبير وهو الكبر.
وهذا قارون قد أخذ بمجامع قلبه حب المال وجمع الثروة من الذهب حتى كانت عنده المخازن الضخمة المملوءة به، فلما انتفخت نفسه وتكبر على آيات الله تعالى ونبي الله موسى (ع) خسف الله عز و جل به وبداره الأرض فكان نسيًا منسيًا، وهكذا كان طغيان النفس حاضرًا عند أصحاب الوجاهات والنفوذ كما كان من زعماء قريش الذين استكبروا وجحدوا بآيات الله تعالى. وهكذا كل من أصيب بهذا الداء الخطير كانت عاقبته السوء.
الصلاة الخاشعة موعد ولقاء بين العبد ومحبوبه ومحطة معرفية وروحية يستمد منها الفاعلية، وأما تحويل الصلاة إلى مجرد طقوس أو أداء واجب وإسقاط تكليف فلن يترك أثرًا ولا بصمة في شخصية الفرد وحياته، والصلاة بعنوان مؤثريتها العام الذي ذكره القرآن الكريم هو تجنب المنكرات والحذر من الانزلاق إلى أبوابها المؤدية لها ، و ذكرت مولاتنا الزهراء (ع) واحدًا من تلك الآثار وهو التخلص من الكبر والشعور بالعظمة تجاه الغير بسبب امتلاك أحد أسباب الاقتدار؛ لأنه بوابة الشر والانحطاط الأخلاقي والمحبط للأجر مهما كانت صلاة المرء وبقية عباداته، إذ سيسلك مسلك إبليس في الضياع والخسران عندما عبد الله تعالى عبادة شكلية وخاوية من المضامين الأخلاقية.
التخلص من صفة الكبر – من خلال الصلاة – يكمن في حضور القلب فيها واستحضار معاني أفعالها وأقوالها، يعيش موقف العبد وهو بين يدي سيده ومولاه، فيتخلص حينئذ من وهم الكبرياء الموهوم واستقزام الآخرين.
