شمعة لا تبصر الطريق
عبدالباري الدخيل
رمت مريم عن جسمها اللحاف وقامت استجابة لنداء أمّها.
همست: إلى متى ونحن مستعبدون لهذا النظام الدراسي الممل؟
قالت الأم: لم يبق لك إلا هذه السنة لا تضيعي مستقبلك بالكسل، قومي فالسائق ينتظر أن يوصلك للجامعة.
تحركت بملل وهي تلعن اليوم الذي قررت فيه إكمال الدراسة الجامعية، وتتأسف على الساعات التي ذهبت في عناء المذاكرة وحل الواجبات.
في طريقها للجامعة توقفت عند المطعم المعتاد، وطلبت عبر التواصل بالصوت كوب قهوة وفطيرة، أجابتها العاملة: “سكر زيادة كالعادة.. صح يا مريم”؟
صرخت: زهراااا.
وسمعت ضحكة خفيفة، ثم: صباح الخير أيتها الفتاة الجميلة.
– يا الله ما الذي جاء بك لهذا المكان!
– هذا هو اليوم الأول لعملي هنا.. تفضلي باستلام طلبك سيدتي.
لم تستطع مريم الصبر فأخرجت هاتفها واتصلت بها: زهرااااء.. يجب أن نلتقي اليوم فأنا مشتاقة لك شوق الصحراء للمطر.
– ما رأيك أن تصطحبيني بعد العمل الساعه الرابعة عصرًا.
– جيد.. جيد. قالتها بفرح غيّر مزاج يومها وملأها طاقة إيجابية.
في الموعد المحدد أوقفت مريم سيارتها أمام المطعم ووقفت تنتظر صديقتها بلهفة، وما أن فتح الباب حتى تقدمت فاتحة يدها مشتاقة لتحضن زهرتها الطيبة،
صافحتها ثم أمسكت بيدها وتوجهت للسيارة، فجأة نزل عليها حزن منعها من المشي، بل كادت تبكي لولا أن زهراء تنبهت للوضع وهمست: لا تقلقي فقد عوضني الله عن بصري بنعم كثيرة.
زهراء فتاة هادئة ناعمة مجتهدة ونشيطة، من أسرة متوسطة الحال، والدها يعمل شرطيًا في إدارة المرور، وهي آخر العنقود بين إخوتها، ربطتها مع مريم صداقة منذ الصغر، فهي زملية الدراسة الابتدائية، ورفيقة الدرب من البيت إلى المدرسة والعكس، بعد رفقة دامت أكثر من ست سنوات، انتقلت زهراء مع والدها لمدينة أخرى، ولم تنقطع العلاقة، فقد تحول الهاتف لحديقة يجتمعون فيها كل مساء.
في يوم أسود فلتت سيارة مراهق من يده بسبب سرعته الجنونية، فاصطدم بسيارتهم وأصاب الحادث عين زهراء وأطفأ نورها.
لم تستسلم زهراء للإعاقة، فقد أكملت دارستها، وتزوجت، وهاهي تعمل بكل نشاط.
بكت مريم لأنها نسيت نعم الله عليها، واستسلمت للكسل: ماذا أقول يا أختي وأنا أبحث عن عذر حتى أتغيب عن الجامعة!
إنك درس عملي وقدوة صادقة للمبصرين قبل المكفوفين.