أقلام

الحمولة الزائدة

جاسم المشرَّف

المفاهيم الخاطئة، والعادات السيئة، والآمال الزائفة، والأخلاق الرذيلة، والأخطاء الفادحة، والذنوب المظلمة، كلها حمولة زائدة تستنزف طاقة الإنسان، وكفاءته، وتثقل حركته التكاملية، بل تقعد به، وتعمي بصيرته وتحجب إحساسه بالحياة، “وقَعَدَت بِي أغلالِي” .
لا تتحامل على أحد، ولا تحقد على أحد، ولا تضع نفسك موضع الضحية الذي عليه أن ينتقم ممن تسبب في أذيته، فإنَّ ذلك يضرك أكثر مما يضر غيرك، وحملٌ ثقيل يحرمك من السمو والرفعة التي تليق بك.
مَن حَمَلَ الحقدَ والحسدَ ومساوئ الأخلاق بين جانحيه من المحال أن يُحب، ومن العسير أن يُحَب، وكم هي موحشة تلك الحياة التي لا حُبَّ فيها.
والعادات السيئة التي تستنزف طاقتك ووقتك حمولة لا تزيد حياتك إلا تعقيداً، وقلبك إلا عناء وهماً.
ذكريات الماضي القاتمة، والذنوب المخجلة، والأسرار الثقيلة كلها تنضم إلى ذلك الركام الذي يُشعِر الإنسان بالكآبة، وعدم الجدوى؛ لأن الاستغراق في اجترار آلام الماضي، والإصرار على الذنب يضاعف الكبت، ويبرز الجوانب السلبية في حياة الإنسان، ويغمر ما لديه من طاقة وجمال.
والأفكار العتيقة كالأشياء العتيقة منها ما هو ثمين يكسب قيمته كلما امتد به الزمن، وحقها أن نحميها ونستثمرها، ومنها ما هو رَثٌ خَلِقٌ لم يَعُد له أي قيمة، وبقاؤها حمولة زائدة وثقل.
كم سيضيع جهدك وأنت محمل بما لا لزوم له، فلا إلى أهدافك وصلت، ولا لطاقتك استثمرت.
يجب أن نفرق بين ما يعنينا وما لا يعنينا، ما بيدنا قراره وما ليس بيدنا؛ كيلا نُحمِّل أنفسنا فوق طاقتها، ولا نُجهد قلوبنا فوق ما تحتمل.
وأشد الأحمال ثقلاً على صاحبه الخوف بكل أنواعه عاطفياً واجتماعياً وعملياً، تكبر الطموحات والتطلعات لدى بعضهم ويكبر معه خوفه من الرفض والفشل، فتنشل حركته بالخارج، ويبقى داخله في صراع محتدم.
احلل عقدة الخوف، والطمع من قلبك؛ لتتجلى قوتك في حياتك، وتنعم بالسكينة.
وكل خوف معيق إلا الخوف المقترن بالرجاء في ساحة قُدسِ الله فإنه يُحلِّق بصاحبه إلى سماوات الفضيلة والطمأنينة والسلام.

كثيرون هم الذين يحاولون أن يكونوا بصورة غيرهم، فلا يجدون إلى ما يبتغون سبيلاً، وتبوء جهودهم بالفشل، مهما حاول الإنسان أن يكون غيره لن يستطع، كن أنت لا غيرك، قوِّم أفكارك وقناعاتك، وسلوكك ومنهجك، كنت أنت كما يجب أن تكون، لا غيرك.
أن تحاول تقمص جهود غيرك، وصورة غيرك فذلك عبء لا طائل من ورائه.

لماذا تستسلم، وتجعل أسوأ ما لديك هو ما يحكم يومك، ويهيمن على جُلِّ وقتك، وإحساسك، ليكن أجمل ما فيك أثبت ما فيك، فما شخصيتك إلا ما تعودت على ممارسته وعمله ومعايشته.
تعرف على كل ما يعترض طريقك قبل أن تشرع في المسير، ولا طريق إلى الاستقرار والسكينة والرضا إلا بعد أن تخوض حرباً مع نفسك، تطرد ذلك الجيش الذي احتل قلبك، وأشغل لُبَّك، وسلبك سكينتك من ذنوب ومساوئ وعادات وذكريات وأسرار، تخلص من كل ذلك الركام والحطام، وإنك لقادر على ما هو أكثر مندفعاً بعزيمة الأحرار، التي لا تكل ولا تمل من المحاولة والإصرار على التغيير، ومتدرعاً بالصبر وصدق النية، والتوكل على مَن بيده الأمر مِن قبل ومِن بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى