الوصية الآخيرة للإمام الصادق (ع)
السيد فاضل آل درويش
ورد عن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ (ع) لَمَّا حَضَرَ أَبِيَ الْوَفَاةُ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يَنَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلَاةِ )( وسائل الشيعة ج ٤ ص ٢٤ ).
الظرف الصعب الذي كان يعيشه الإمام الصادق (ع) والضعف البدني الذي بلغ منتهاه في اللحظات الآخيرة له وقبل حلول المنية ولقاء ربه لم يمنعه (ع) من ممارسة دوره التبليغي والتهذيبي للنفوس من خلال التأكيد على أهم صلة بين العبد وربه، وتعد الصلاة العمود الفقري وعماد التدين فمن ضيعها فلا دين له وكان من المفلسين من رحمة الله تعالى، ولا ينفع معه آخر علاج لذنوبه وتقصيره وهو شفاعة المعصومين (ع) بين يدي الواحد القهار، وهذه الوصية لها أهميتها من عدة جهات، وأهمها: الهمة العالية في مواجهة التحديات والظروف الصعبة في الحياة درس نستقيه من نهج إمامنا الصادق (ع)، فالبعض يأخذه التكاسل والضعف النفسي والرهبة من هجمة الأيام الصعبة فيبحث عن الأعذار الواهية تبريرًا لتقاعسه ووهنه، بينما الإمام (ع) يضعنا على سكة التصميم والاقتدار ومغالبة الظروف واستمرار العمل في كل الأحوال الصعبة والمضنية، إذ أنه سبحانه جعل من سنن هذه الحياة تقلب ظروفها وصروفها فلا تصفو مشاربها لأحد، وهذا ما يجب أن نستوعبه ونعمل على مقتضاه ونهيء أنفسنا على استقبال هبوب ريح الصعوبات وتعلم كيفية التعامل معها، فهنيئًا لمن اتخذ هذا الإمام قدوة ومتأسٍ في عمله الرسالي والتبليغي والتوجيهي، مع الحفاظ على هدوء النفس واتخاذ الصبر طريقًا عمليًا يخطط به لغاياته وتطلعاته.
والأمر الثاني في هذه الوصية هو التطرق إلى مفهوم الشفاعة وطلب العفو والصفح عن ذنوبنا وتقصيرنا وقلة حيائنا في محضر العدالة الإلهية يوم القيامة، من خلال الوجهاء الذين جعلهم سبحانه وتعالى وجهة للعصاة ليتشفعوا لهم فيتجاوز تعالى عنهم بفضل مقامهم عنده، والشفاعة للأولياء يوم القيامة مفهوم قرآني ثابت لا خلاف حوله، ولكن السؤال المطروح يتعلق بسعة رقعتها وشموليتها لكل العصاة أم أنها مشروطة ولا بد من ملاحظة تلك الشروط، قبل أن يعلق المرء عليها الآمال والسقوف العالية ثم يتفاجأ بعدم منحها له لقصور فيه، فمن خلال هذه الوصية الصادقية نجد أن للشفاعة شروطًا لابد من توافرها، ومن تلك الشروط – بل أهمها – أن يكون المذنب محافظًا على عمود الدين – وهي الصلاة – ومهتمًا بأدائها في وقتها و بشرائطها، وأما ذلك الذي خليت ساحة أعماله من الصلاة فلن يكون مستحقا للشفاعة، وهذا يعني أنه أودى بنفسه لمعرض الخطر الأكبر والعقوبة الإلهية الأليمة.
ويا للأسف فإن ظاهرة عدم المحافظة على الصلاة قد انتشرت بين بعض الشباب والفتيات، بل أضحت مظهرا للتخلف ويجاهر بتخلفه عن أدائها، وهذا يدل على ضعف الثقافة والتربية الأسرية المتعلقة بأداء العبادات والحض عليها، ودورات التكليف الشرعي لتعليم الوضوء والصلاة والأحكام المتعلقة بهما ومضة مضيئة في سماء الطاعة لله عز وجل، ونحتاج إلى متابعة مستمرة من الوالدين لأبنائهم مع حثهم على أداء الصلاة في وقتها.
والأمر الآخير يتعلق بتحديد مفهوم الاستخفاف بالصلاة والتهاون والتقليل من مقامها وشأنها الرفيع، ومن مصاديق الاستخفاف بالصلاة هو التخلف عن أدائها في وقتها المحدد وعدم الاكتراث لصوت الأذان، فيجعلها في ذيل قائمة اهتمامه، فيؤديها بعد أن يفرغ من شواغله كمشاهدة التلفاز وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ولو أدى ذلك للتأخر في أدائها لساعات، وتارة يكون الاستخفاف بالصلاة من جهة إهمال تعلم الأحكام الشرعية الخاصة بالطهارات والصلاة، إذ أن الاهتمام بأداء الصلاة على أكمل وجه يتطلب تعلم ضبطها وإتقانها من خلال معرفة الحكم الشرعي.
ومن صور الاستخفاف بالصلاة هو عدم حضور القلب في الصلاة بل يكون متعلقًا بمشاغل الدنيا متناسيًا أنه واقف بين يدي الله تعالى، ومن الآداب في مثل هذا اللقاء أن يكون ملتفتا لمعاني في القراءة والأذكار وأفعال الصلاة.