هل تتفاعل مع المعلومة تفاعلًا فيزيائيا أو تفاعلًا كيميائيا؟
د. علي القضيب
عندما تطرق اسماعنا معلومة وتعيها عقولنا وتتفاعل معها قلوبنا، هذا التفاعل يختلف باختلاف نوع المعلومة وعمق تأثيرها ومدى أهميتها، تمامًا كما يختلف تعاملنا مع ضيف حل علينا. نكتفي بتقديم الشاي والقهوة وبعض المرطبات لبعضهم، لكن لا نرضى إلَّا أن نقيم الولائم الكبيرة على شرف البعض الآخر، وكل ذلك يعتمد على مدى أهمية ذلك الضيف ومكانته وربما لأهمية الرسالة التي يحملها. وهذا بالضبط ما نأخذه في الاعتبار حين نتعامل مع المعلومة. فبعض المعلومات تتعامل معها سطحيًا لا يتعدا كونه تفاعلًا ظاهريًا فيزيائيا. أما البعض الآخر لا نكتفي إلَّا وأن نتفاعل معه تفاعلًا معمقًا، بل حتى على المستوى الجزيئي molecular level كما يقول علماء البيولوجيا والكيمياء. إذن ما الذي يحدد نوع التعامل مع المعلومة وايهما أفضل هذا ما سنعالجه في هذا المقال.
العلوم تخبرنا بأن التفاعل او التغير الفيزيائي يشمل تغير المادة في الشكل واللون والملمس بينما التغير الكيميائي الأكثر فعالية ينطوي على تغير على مستوى تركيب المادة الكيميائية مما ينتج عنه مادة جديدة تختلف اختلافًا جذريًا عن المادة الاصلية. وهو، بخلاف التغير الفيزيائي، تغير نهائي لا يمكن عكسه.
ولكي تكون الصورة واضحة سأضرب لك مثالين:
في البدايات كانت القاطرات تسير مستخدمةً الاحتراق الخارجي حيث يُسخن الماء الى بخار وتتحول طاقة البخار الحرارية الى طاقة ميكانيكية تحرك المكابس. وهذا النوع من انتاج الطاقة وتحويلها الى حركة ميكانيكية (ثيرموداينامية) لا يعدو كونه تغييرًا فيزيائيًا لا يمس جوهر الماء ويبقى الماء كما هو، بينما عندما تقدم العلم واُكتشف البترول ومشتقاته استخدم لإنتاج طاقة عبر آلة الاحتراق الداخلي. هنا التفاعل كان تفاعلًا كيميائيًا حصلنا منه على طاقة كبيرة جدا وأكثر فعالية من تلك الطاقة المنتجة فيزيائيا.
في عالم البناء والخرسانة كذلك يتم تقوية وتحسين أداء الخرسانة بطريقتين: الطريقة الأولى فيزيائية حين تُضاف مواد بجسيمات أصغرحجمًا من حجم جسيمات الاسمنت من شأنها أن تملا الفرغات وتقلل النفاذية وتقوي الخرسانة وتحمي حديد التسليح، والطريقة الثانية كيميائية وذلك بإضافة مواد تتفاعل مع مادة الاسمنت وتشكل مادة جديدة أكثر صلابة ومتانة و ديمومة من مادة الأسمنت الاصلية.
تفاعلنا مع المعلومات يندرج تحت هذا النوع من التعامل، فإما ان نتعامل مع المعلومة على المستوى الفيزيائي، وذلك بالاكتفاء بالقراءة السطحية العابرة دون تركيز؛ هذا النوع من القراءة من شأنه ان لا يحتفظ القارئ بالمعلومة طويلًا، بينما لو تعاملنا مع المعلومة بعقل رعاية لا بعقل رواية، كما جاء في مضمون الرواية الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام، لكان التعامل أنجع و ارسخ لها، ناهيك عن إمكانية تطوير المعلومة ذاتها، وهو ما يسمونه بإعادة انتاج المعلومة / العلم.
لذا نوصي ان نتفاعل مع المعلومة بعقل رعاية، وأليك بعض الأساليب التي قد تساعدك لتفعيل هذا النمط من التفاعل:
اقرأ المعلومة بكثير من التركيز وبشيء من الفضول والشغف وكرر قراءتها مرتين على الأقل
دون المعلومة الجديدة ولو بالاكتفاء بالنقاط البارزة والمهمة فيها
استفد من المعلومة في تحسين ثقافتك وسلوكك ولو بممارستها في حياتك العملية
انقل المعلومة وشاركها مع آخرين، مصداقا لوصية الامام جعفر الصادق عليه السلام ” أكتُب وبُث علمك في إخوانك، فإن مُت فأورث كُتبك بنيك” الكافي ١/٥٢
اكتفِ بالتركيز على مقدار محدد من المعلومات في كل مرة لأن الزيادة قد ترهق عقلك ولا يمكنك استيعابها أو الإلمام بها جميعًا وربما تصبح عرضة لأن تنساها بسرعة،
عاود قراءة المعلومات التي قرأتها سابقًا بعد فترة لأن ذلك داعٍ الى ترسيخها أكثر وأسرع
بقي ان اذكر ان التفاعل الكيميائي والفيزيائي يدخل في جميع مناحي حياتنا، فعندما نتكلم وعندما نسمع وعندما نلقي بالتحية وعندما نصلي وعندما نأكل وعندما نتعلم. فنحن مخيرون بين
أن نجعل تجاربنا سطحية وعابرة او عميقة وثرية وراسخة، وهذا النوع من التفاعل هو المعول عليه من الناحية النوعيةً والكيفية.