صالح المرهون
عادة ما يكون الكلام في المقام الأول عن حسن الظن بالله، وحسن الظن بالناس بالمقام الثاني، و في تلك الحالتين يكون كلامنا عن حسن وسوء الظن..
أولًا- في حسن الظن بالله: لننقل أولًا هذا التوضيح القصير عن نبي الله يونس(ع)، حيث واجه هذا النبي العظيم ابتلاءات كثيرة مع قومه ومع قدره في العيش، فرغب أن يرحل إلى مكان آخر ينقل فيه الرسالة ويكون أكثر سعادة وراحة، فسافر بحرًا في زورق صغير، وسخر الله الأسباب فابتلعه حوت عملاق، وتدخلت هنا عناية الله في أنه لم يمت، فعن طريق المعجزة وفي ظلمات بطن الحوت أحس هذا النبي العظيم أنه يعيش دون تنفس، فأخذه الرعب، ثم تذكر الله سبحانه وتعالى، واستقر أمر نفسه وراجعها بسرعة فأيقن الرسالة: وهي أن عذاب قومه له في رسالته هو أهون من عذاب غيرهم ممن هم ليسوا بقومه، فالله قد اختار له الأصلح…. وهكذا حتى انتهى به الأمر إلى ما ورد في القرآن الكريم.
والقصد من نقل هذه القصة هو إيصال هذا المعنى، وهو حسن الظن بالله، وأن الله يختار للإنسان ما هو أصلح له وفق الممكن، لأنه الغني ذو الرحمة. أما اليأس وسوء الظن بالله وخاصة عند الشدة، أو عند التعرض للابتلاء، أو مقدمات الابتلاء،فانه لا مبرر لهذا الظن السيئ إلا تسويلات النفس والشيطان.
إن الله عند ظن عبده المؤمن إن خيرًا فخيرًا، ولهذا كان حسن ظن بالله ومقرب إلى الله، ومن أهم الطرق إلى الله، ولهذا فإن أعلى درجات الأيمان تكون بالتوكل على الله، بمعنى التوكل إلى الله، أي أن يوكل الإنسان نفسه إلى الله كليًا -كما قلنا- لأن ما اختاره الله للإنسان هو الأصلح دائمًا، وهنا يأتي دور الإيمان الحقيقي وحسن الظن بالله في أشد الظروف والابتلاءات تعاسة وحلكة، فعلى المؤمن أن يؤمن وهو محاط بهذا الشر الدنيوي بأن ما وراء ذلك هو زكاة له ولمجتمعه.
إن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى يغير المعادلات باتجاه هذا الظن، وهناك أمثلة معروفة في الفقه الإسلامي تؤيد ذلك،(فماء زمزم لما شرب له)، وفي حواشي اللمعة لشهيدين: وقد جربه كثير من العلماء لمطالب عظيمة للدنيا والأخرة فازوا بها، والشرب من سؤر المؤمن تبركًا كذلك، وتقبل صلاة المأموم والإمام لحسن ظن المأمومين بالإمام وهكذا.
أما حسن الظن وسوء الظن بالناس:
فيجب على المسلم- كقاعدة عامة- عندما يتعامل مع أخيه المسلم ظاهرًا أن يحضر حسن الظن، ولكن هذه القاعدة غير واقعية إذا اعتبرناها قاعدة شاملة مطلقة، فحسن الظن هذا أوقع أناسًا كثيرين في الخسارات غير المتوقعة؟! أيكون حسن الظن هذا في مجتمع تغلب هليه الأنانية والانشداد وراء المصلحة الفردية أينما كانت وبأي وجه؟ أيحسن حسن الظن في مجتمع متمسك أفراده بالإيمان الحقيقي؟ ألا يعد هذا الظن الحسن سذاجة في مثل هذه الظروف؟ إذن يجب ألا نأخذ القاعدة على اختزالها دون مقارنة بالواقع ومع بقية النصوص التي توضحها.
إن حسن الظن بالمسلم لا يتناقض مع إمكانية الاحتراز والحذر والعمل بالحيطة للاحتمالات السيئة، بمعنى أنه على المسلم أثناء تعامله مع المسلم أن يكون حسن الظن محتاطًا، فهو أمر بين أمرين، أي أن هناك معادلة يزداد نصيب حسن الظن في هذه المعادلة كلما زادت أخلاق المسلم الآخر ودينه، وزاد شيوع الالتزام الديني في المجتمع والبيئة، والعكس بالعكس.
روي عن الإمام الهادي( ع)(إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن بأحد سوءًا حتى يعلم ذلك منه، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيرًا ما لم يعلم ذلك منه، وحسن الظن لا يعني انحصاره في التعامل المباشر مع الناس، بل أيضًا في تصرفاتهم فيما حولهم أي مع البيئة عمومًا، فإذن حسن الظن مرغوب عندما تتعامل مع إنسان يريد فعل أمر ما في المجتمع، ولكن الاحتراز أيضا مطلوب، ولا مناقضة في ذلك، وحسن الظن تزداد نسبته وتنقص حسب الشروط السالفة.
إذن لا ضرورة لسوء الظن، والاحتياط واجب في التعامل ووضع احتمالين نصب العين، كل منهما وارد الوقوع، احتمالية الصدق واحتمالية الكذب، واعمل لكل احتمال احتياطات، فهذا لا بأس به، وهذا هو السلوك الصحيح والطريق الأسلم بين أذية النفس ودفعها وبين أذية الغير عن طريق ظلمهم في الحكم.
