السلوك الإيماني لجنة الدنيا والجنة المطلقة
صالح المرهون
عندما يقول الله سبحانه وتعالى:(ولمن خاف مقام ربه جنتان) فالجنتان هنا جنة الدنيا والآخرة، فمن أحب الله وخاف فراقه أو تعذيبه جعله الله أو جعل نفسه من أطيب ريح الجنة، وهي راحة النفس واستقرارها في الدنيا، وبهذا يكون هذا الإنسان قد دخل جزءًا من الجنة في الدنيا، وحسب درجته، فإذا ما انصهر في مقام الله أخذ الاستقرار كله في الدنيا، وأخذ نعمة من نعم الجنة كلها في الدنيا، والأمر يتدرج.
أما الجنة الثانية فهي الجنة المطلقة، جنة الخلود بعد الحساب.
أما الخوف من غير الله فهو شعور سلبي ينبغي معه مراعاة بعض الأمور حتى لا يستفحل أو يؤدي إلى نتائج غير مرضية، وأهم تلك الأمور أن لا يقنط الخائف من رحمة الله، ولا يجعله الخوف يتنازل عن مبائه وعقيدته، فالخوف مجرد شعور سلبي مؤذٍ للنفس لا حرام فيه، بل هو كالمرض ابتلاء يؤجر الإنسان عليه إذا ما صبر عن معصية الله.
وأقول تأكيدًا إن الأمر متروك لدرجة الإيمان، فمن كان إيمانه عظيم جدًا، فهو لا يخشى الناس مطلقًا، بل ولا يخشى الحياة بمقاديرها إطلاقًا، لأنه يسير وفق مقياس واحد وهو رضا الله، ولا تهمه بقية المقاييس والمعايير أو أية طرقة من طوارق الحدثان سواء أكانت آتية من إنسان أو حيوان أو مطلق الأشياء أو حتى من نفسه، أما الإنسان الذي ليس لديه إيمان بالله يكون قد استحوذ عليه حب الدنيا فمقياسه هنا النجاح وفق المقاييس الدنيوية، طبعًا أول هذه المقاييس مقياس عامة الناس، فتراه يعيش بقلق عظيم مخافة نقد الناس، غير آبه لما عليه الدين وطريقه القويم، فالمهم أن يحقق النجاح بذلك المقياس، وهذا يجره إلى شيئين:
١- الجبن وعدم الشجاعة في اتخاذ القرار الصحيح في أمور عامة، لأنه يخاف ألا يكون موافقًا للتيار السائد حوله فيخاف من المواجهة،
٢- مسح الشخصية، فشخصيته تابعة لما يمليه عليه حال الناس، فكلما رأى الصواب مخالفًا لما عليه الأكثرية، خالف الصواب واتبع الأكثرية، ومن اتبع أكثر الناس فإنهم يضلونه، وهكذا تمسح شخصيته، ولم يعد إلا سائرًا مع التيار يأخذه أينما سار، والسبب في انجراره بما يمليه عليه الناس.
ويجدر بكم أن تتأملوا ماقلته حول مقياس الناس، وكيف أن الكثير منا يسير في حياته مراعيًا ذلك المقياس وهو مقياس الناس، لا مقياس الله ومقياس الصحة، والحقيقة أن هذا مفترق طريق بين الإيمان والشخصية الصحيحة وبين عكس ذلك، وهذه النقطة في غاية الأهمية في السلوك تستدعي وقفات طويلة ومواضيع مركزة، ولكن أترك الأمر إلى ذهن القارئ ليجد المصاديق الواقعية التي يعيشها هو ويعيشها أفراد المجتمع، وعلى ماذا يعتمدون في جل تصرفاتهم وميولهم، ليجد عندها أن ما قلته هو أساس مهم لحركة وتحريك النفوس نحو الحقيقة وما يرضي الله سبحانه وتعالى.