الحديقة المدرسية في مواجهة أمراض العصر لدى الأطفال
سارة الصحراوي – الدمام
تواجه المملكة العربية السعودية كغيرها من دول العالم غزو ما يسمى بـ”أمراض العصر” أو الأمراض “المرتبطة بأنماط الحياة المعاصرة”. وتعدّ عوامل الفقر في التغذية المعتمدة على الطعام المُصنع، وقلة ممارسة الرياضة من أهم العوامل المؤدية إلى الإصابة بتلك الأمراض.
وتشير نتائج الدراسات المشابهة التي أجريت في دول غربية إلى أن تصميم حدائق مدرسية جيدة، وتفعليها بشكل مناسب قد ساعد في تحقيق نتائج إيجابية في المجال المعرفي، وفي تنمية جوانب وجدانية مختلفة لدى الأطفال. كما تشير النتائج إلى أن الأطفال عندما يقومون بزراعة الخضروات في الحديقة المدرسية، فإنه من المرجح أن يستهلكوا خضروات في تغذيتهم كنتيجة لذلك.
وفي تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، أن الحدائق المدرسية باستطاعتها أن تكون أداة قوية لتحسين مستوى تغذية الأطفال وتربيتهم على مجموعة من القيم، من بينها احترام الطبيعة وتقدير الفلاح وتعزيز روح التعاون لديهم، إذا ما تم دمجها ضمن البرامج والأنشطة التربوية.
قبل سنوات، نشرت كل من منظمة الأغذية والزراعة، ومعهد التخطيط التربوي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة( يونيسكو)، كتاباً حول الحدائق المدرسية تحت عنوان: “نظرة جديدة إلى التعليم القائم على حدائق المدارس في التربية الأساسية”. ويتناول الكتاب المذكور، تأثير حدائق المدارس على حياة المجتمع، كما يستعرض تأريخ هذه الحدائق وأطرها النظرية، فضلاً عن أنه يقدم نتائج بعض التقييمات المحددة لبرامج مختارة في مختلف أنحاء العالم.
وإلى جانب ذلك، فقد صدرت مؤخراً ملاحظات فكرية، عن منظمة الأغذية والزراعة بشأن حدائق المدارس، توضح فيها كيفية تحسين تغذية الأطفال وتربيتهم، من خلال تعزيز البرامج المهتمة بالحدائق المدرسية.
وتعتبر الحدائق بصفة عامة أفضل فضاء للجميع، لما لها من مميزات تعود بالنفع على صحة الإنسان الجسدية منها و النفسية، حيث تساعد المساحات الخضراء على مد الجسم بالأكسجين وامتصاص تنائي أكسيد الكربون، وبالتالي سلامة الجهاز التنفسي، إضافة إلى خلق جو من الراحة النفسية التي تبعثها المناظر الطبيعية، وما إلى ذلك من مميزات عديدة.
وباعتبار ما سبق فإنشاء الحدائق المدرسية للأطفال لا يقل أهمية عن ذلك. قد يبدو إنشاء الحدائق المدرسية للأطفال أمرا بسيطا لا يعيره البعض أدنى اهتمام، في حين أن البعض الآخر قد يعتبره مجرد زينة للمحيط المدرسي، أو فضاء لقضاء وقت فراغهم لكن ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن هذه المبادرة تحمل في عمقها فوائد أكثر من ذلك للطفل، من بين هذه الفوائد:
التعلم عن الغذاء الصحي وتذوقه:
نعلم جميعا أن المواد المعلبة والفواكه والخضار المعدلة جينيا، قد طغت على منظومتنا الغذائية،فأصبح أطفالنا نادرا ما يتذوقون غذاء صحيا أو يتعلمون عنه شيئا، لكون أغلب المواد المتداولة في الأسواق تكاد لا تخلو من المبيدات الضارة والمواد الغير صحية، لذلك تعتبر الحدائق المدرسية فرصة لا تعوض بالنسبة للطفل لكي يتذوق غذاء صحيا ويكتسب معلومات مفيدة حول هذا الغذاء.
تعلم كيفية زراعة الخضار و الفواكه:
من الهم جدا للطفل أن يكتسب معرفة واضحة، حول كيفية زراعة الخضار والفواكه، ولبلوغ هذا الهدف، فإن التعلم النظري داخل الصف وحده لن يفي بالغرض، إذ يتفق الجميع أن التجربة على ارض الواقع توصل وترسخ المعلومة أكثر من التعلم على الورق، لهذا فالحدائق المدرسية لها دور أساسي في ترسيخ كل ما يتعلق بالزراعة في ذهن الطفل.
تطوير مهارات العمل الجماعي:
خلال قيام الطفل بالأنشطة الزراعية رفقة زملائه في الحديقة المدرسية، فهو لا يستمتع بوقته فحسب، بل أيضا يكسب مهارة العمل الجماعي، التي تعتبر سمة أساسية لنمو شخصية سليمة لدى الطفل، بحيث يتطور لديه حس المساعدة و الجانب الاجتماعي والتشاركي، ويبتعد كذلك عن صفة الأنانية.
تعزيز التغذية بشكل أفضل:
الحدائق المدرسية فضاء ينمي لدى الطفل أهمية تناول الأغذية الصحية أكثر، فمشاركته في عمليات الزرع والسقي وكذلك الجني، تراكم لدى الطفل دراية كاملة بأن الخضار والفواكه الطبيعة من أساسيات الصحة الجيدة.
تعلم تقدير من يزرع غذاءنا:
للفلاح والمزارع الذي يزرع غذاءنا حق الاعتراف بجميل صنعه، فبدونه لما كانت الخضار والفواكه في متناول كل فرد منا، لذا علينا أولا غرس هذه الصفة في أطفالنا منذ صغر سنهم لكي يحترموا مهنة الفلاح، ومن الضروري أن يجربوا القيام بعمله من خلال أنشطتهم في الحدائق المدرسية.
وكخلاصة، وعلى قول المثل العربي الشهير: “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”، فأطفالنا يتربون على المبادئ التي نعلمهم إياها منذ نعومة أظفارهم، والأنشطة التي يزاولونها في الحدائق المدرسية لها وقع كبير على تنمية شخصيتهم.