سيطرة العقل
أحمد منصور الخرمدي
العقل، جهاز أودعه الله في الإنسان ليكشف به بعض الحقائق، هناك معرفة حسية أساسها الحواس الخمس، هذه المعرفة بسيطة، أنت ترى، وتسمع، وتشم، وتلمس، وتشعر، هذه المعرفة الحسية نحن وبقية المخلوقات فيها سواء، ولكن هناك معرفة أرقى، أنه أودع الله في الإنسان جهازًا إن رأى الأثر عرف منه المؤثر، وإن رأى التسيير عرف منه المسير، وإن رأى الحكمة عرف منه الحكيم، فالعقل معرفته أرقى من المعرفة الحسية، فالمعرفة الحسية شيء ظهرت ذاته وآثاره، أداة اليقين بهذا الشيء الحواس الخمس، ولكن هناك أشياء عظيمة جدًا غابت عنا ذواتها، بقيت آثارها، يأتي دور العقل ليكتشف ذاتًا غابت عينها، وبقيت آثارها، وكما عُرف كذلك بإن العقل، هو مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي، المعرفة، التفكير، الحكم، اللغة والذاكرة. هو غالبًا ما يعرف بملكة الشخص الفكرية والإدراكية. يملك العقل القدرة على التخيل، التمييز، والتقدير، وهو مسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، مؤديًا إلى مواقف وأفعال.
وعندما نسأل:
هل العقل هو الذي يسيطر على الإنسان؟
هنا وعلى وجه الخصوص، تأتي الإجابة الواردة، إن العقل هو الذي يتحكم في الإنسان، حيث يعمل العقل على تحليل وتفسير المعلومات واتخاد القرارات الصحيحة، ومن خلال التفكير الإيجابي (وهو الجانب الأهم) ومن خلال التركيز والتدريب، يمكن للإنسان من تحسين وتطوير عملية تحكم العقل، أو بمعنى أخر سيطرة العقل على الجسم، ألا إنه ومن باب الأمانة، هناك نظرية تشخيصية دقيقة، تفيد إن قلب الإنسان يؤثر على العقل عن طريق العاطفة، وهذا له أبعاده وظروفه ومعطياته، وتختلف من شخص لآخر، والمجال هنا بالتأكيد لا يسمح لنا بالتفاصيل والأمثلة ولا بالمقارنة من حالة لحالة، ومن الخير أن يعرف الإنسان، بأن سيطرة العقل على الجسد أمر مهم يجنبه الزلات والأخطاء ويوقضه بما هو خير أو شر له، وترشده أن يسلك الطريق المستقيم أينما كان، والإنسان يختلف عن الكائنات الأخرى، يختار أفعاله من خلال التفكير، فهو لديه القدرة على التصرف بعقلائية للحفاظ على ذاته، ويمارس الفضائل والقيم التي تضعه في موقع يكون إنسانًا، كائنًا عاقلًا.
فالمطلوب من الإنسان التفكير فيما يدخل إلى عقله من أفكار، لأن ما يدخل في العقل يترك أثرًا مباشرًا، إما أن يكون لسعادته أو لا قدر الله سببًا في شقائه، ومثلما هو مدعو للتفكر والتدبر فيما يدخله في عقله، فهو مدعو للتفكر فيما يدخله في بطنه من طعام قد يؤدي إلى مرضه أو حتى تسممه لا سمح الله، كما ينبغي علينا أن نمنع الآخرين من القيام بمهمة ”التفكر والتدبر“ بدلًا عنا، لأنهم قد يزرعون فينا، الفشل والتشاؤم والإحباط، وضعف الشخصية، فسلوك الإنسان ناتج عن المشاعر الناتجة عن نمط التفكير المدخل في العقل، فالمرض الفكري أخطر من المرض الجسدي، بل إن المرض الجسدي انعاكس للمرض الفكري، مما يستدعي علينا مراقبة التفكير فهو وكما سلف الذكر، أمر مهم للغاية، فهو يساعد على السيطرة والتحكم، لئلا يصدر منا ما يضر بعقولنا وأجسادنا والآخرين.
علينا جميعًا أن نبحث عن سعادتنا، بتصفية ما بداخل عقولنا من شوائب، لتعكس على تفكيرنا بالسلم وجودة البقاء، وعلى أجسادنا بالصحة والعافية، فهل تستطيع عقولنا شفاء أجسادنا؟ وهو من باب التساؤل يطرحه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي يعد من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، والذي دعا الحضارة الغربية إلى التفكير وله عدة مؤلفات تحاكي بناء العقل الحديث وصناعة السيطرة(الهيمنة باسم العقل) وفي تبيان كتاب شفاء: رحلة في علم سيطرة العقل على الجسد، للكاتبة البريطانية جو مارشنت، حيث تستكشف التمايز بين العقل والجسد الذي نشأ في ” العلم ” منذ ٤٠٠ عام مضت.
وحيث نجدد شعور الفرح وجماليات الحياة لحظة بلحظة، لنمتلك قلبًا ينبض بالمحبة والمودة، ولنحظى بعقل ناضج مسيطر على أجسادنا وأفعالنا، عندها يطمح الكثير لسماع أفكارنا ويستحسنوا أقوالنا، ونكون مصدر التسامح والسعادة والسلام لمن حولنا، وحيث يعتقد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ” أن القدرة المشتركة للبشر على التفكير العقلائي يجب أن تكون هي أساس الأخلاق، وإن القدرة على التفكير هي التي تجعل البشر مهيمنين أخلاقيًا ” كما أنه يعتقد، إذا كان العقل العملي قد لا يفترض ويفكر على أنه يقدم أي شيء أبعد مما يمكن يقدمه العقل النظري من منظاره، فإن الأخير له الأسبقية، كما للفيلسوف، نفسه إمانويل كانظ وهو من القرن الثامن عشر الميلادي(1724- 1804) له اعتقاد آخر فيما يعني التوجه في التفكير ” يعني ” توجيه النفس في التفكير بشكل عام، في حالة عدم كفاية المبادئ الموضوعية للعقل، أن يحدد المرء نفسه وفقًا لمبدأ شخصي.
وختامًا لمقالنا نطرح الأمر بأحسن الحكم فصاحة وبلاغة، الاستدلال القويم، الذي هو منارة تضيء لنا الطريق، القرأن الناطق، إمام الإنسانية والعدالة، الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال ”العقل أغنى الغنى، وغاية الشرف في الدنيا والآخرة، وقوله ”لكل شيء غاية، وغاية المرء عقله“ وما ورد، أن الله جل جلاله، بعث الأنبياء والرسل لإثارة العقول، قول الإمام، مرشدًا وواعظًا ”بعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول“، وعنه عليه السلام قال: ”الروح حياة البدن، والعقل حياة الروح“.