تحدثوا بالحسنى
السيد فاضل آل درويش
طريقة التخاطب وتبادل الآحاديث مع الآخرين تنم عما يحمله الإنسان من قيم الاحترام والتقدير ونسج العلاقات الاجتماعية المستقرة والناجحة، والمحافظة على حقوق الآخر المعنوية وعدم التعدي عليه لأي سبب كان ثقافة اجتماعية وآداب تجنب الفرد الدخول في مشاكل والنفرة منه، فبغض النظر عن المحتوى الذي يتحدث به وما يحمله من قيمة علمية أو اجتماعية لا يمكن للمرء أن يتقبله من هذا الشخص، من يشعر منه بالتعالي مثلًا أو محاولة إبراز العضلات الثقافية أو ممارسة الغرور وتضخم الذات واستقزام الآخرين، فالحالة النفسية واستمزاج شخصية الآخر نابعة من الشعور بكونه صاحب تعامل حسن يظهر منه احترام الآخر وعدم التجاوز على خصوصيات شخصيته، ولذا يشير القرآن الكريم إلى عامل مهم في تقبل الناس فكر التوحيد ومعالم ومفردات الفضيلة من رسول الله (ص) وهو الخلق الرفيع الذي كان يتمتع به، مما جعل له جاذبية خاصة في القلوب فتهواه وتتقبل طرحه وتتفاعل معه، قال تعالى : { … وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ .. }{ آل عمران الآية ١٥٩ } .
ونحن نعاني اليوم من لغة التخاطب والتواصل المتوترة والساخنة في هتك وتعدٍّ واضح وسافر على شخصية الآخر دون أي مسوغ أو مبرر، فالكلمة لها منحيان مهمان تستجمع من خلاله عقل ووجدان المستمع لها، فإما أن تكون مهذبة ومحترمة لا تحمل معالم التعدي على الآخر فهي حينئذ تقع في دائرة الاحترام والتقدير حتى في حالة عدم القناعة أو المقبولية لها، لا لشيء إلا لأنها تعبر عن متكلم يقدر شخصية المخاطب وتحمل فكرة وتصورًا ليس بالضروري أن تنال الثناء والتصفيق والإطراء، وإما أن تتحول الكلمة إلى سلاح مدمر للعلاقات فيحول المحادثات والمناقشات إلى ساحة صراع وتناحر وازدراء (صراع الديكة)، فما الذي تبقى حينئذ من الكرامة الإنسانية ورفعة الشأن المتميز بها صاحب العقل؟!
كما أن المزاجية وتقلبات الفرد دون معرفة السبب لذلك يجعل من المحادثات كحقل ألغام لا يدري السائر فيه متى تنفجر بوجهه لحظات غضب غير مسبوقة بإنذار، ولا تعبر عن امتعاض وتغيظ ناتج عن استفزاز أو إساءة موجهة له من الشخص الآخر، بل المزاجية حالة انفجار بركاني يرمي صاحبها بحممه بكل اتجاه دون أن يصدر من غيره ما يسبب له هذا التهيج.
كما أن علاقاتنا الأسرية تعاني من الخطابات النارية مما يعكر صفو وهدوء الحياة بين الزوجين أو مع أبنائهم، فيسمح الفرد لنفسه التنفيس عما يغضبه ويوتره ويقلقه بوجه شريك حياته أو أحد أبنائه بسبب سوء فهم أو خطأ لا يتناسب مع تلك الموجه الهائلة من الانفجار والانفعال الشديد، فالأثر النفسي والعاطفي السيء الناجم عن ذلك تبقى مفاعيله، ولا يمكن لكلمة الاعتذار والتأسف – إن وجدت – أن تمحو الأثر بسهولة مع تكرار ذلك في مسلسل لا يتوقف، فالفرد الآخر سيعاني من ضعف في الثقة بنفسه بسبب تلك الهجومات الكلامية عليه أو تتولد عنده حالة العناد والتمرد.
كما أننا على مستوى علاقاتنا الاجتماعية المباشرة أو على وسائل التواصل الاجتماعي والنقاشات فيها نقع ضحية الانفعالات الشديدة والتعصب للرأي والتعدي على شخصية الآخر بسبب فكرة لا تروق لنا ولا تقع في دائرة قناعاتنا، ولذا نشهد حالات الشد والاستفزاز والتوتر بسبب الاختلاف حول فكرة أو رأي، والواقع – بالتأكيد – سيكون مأزومًا ومخيفًا وسيصيب العلاقات الاجتماعية بآفة الشللية والاحتراب، بينما ضبط النفس في العلاقات الاجتماعية ينشأ من تربية وفكر وثقافة يبتني على احترام الآخر في خصوصيته وأفكاره مهما بلغت درجة الاختلاف، وقناة الحوار الهاديء هي
ما يوصل إلى قناعات مشتركة ويوضح تصوراتك.
وحتى على مستوى تقديم الآراء عند المشورة أو النصيحة فهذا لا يعطينا المسوغ لتحريك مشاعر الاستعداء عند الآخر باستخدام الأسلوب الهجومي، فإن بيان الخطأ أو التقصير يحتاج إلى أسلوب جميل ومهذب يستسيغه الطرف الآخر بغض النظر عن تقبله للطرح من عدمه.