أقلام

لأجل عينٍ.. النبي (ص) وبنوه مثال

أحمد الزيلعي

كم سمعنا عن المواقف التي يقول فيها أحدهم لمن آذاه أو أساء إليه بأية صورة “لولا مكانة أبيك/أخيك/عمك …. لكان ردي بشكل أخر”. وكذا في الجانب الأخر “لأجل مكانة أبيك/أخيك/عمك…. عندي أخدمك بعيوني”.

ومن مصاديق ذلك ما ينقل عن أستاذ العرفاء السيد علي القاضي – قدس سره الشريف- أنه كان يغسل ملابس ابن صديقه وفاءً لعلاقته وعهده مع أبيه حيث كان بينهما عهد وفاء أخوي، وبعد وفاة ذلك الصديق تفضل بإكمال إعطاء نهره إلى حديقة الابن الفتي وكأنه موسى الكليم عليه السلام في قصته مع نبي الله شعيب، والفارق هو أن ليس هناك ذكر لما بعد وفاة أحدهما. فلعلنا نقول أنه لا حاجة إلى الوفاء إلى هذا الحد فالسؤال عن أحوال الابن وزيارته وما إلى ذلك تكفي لحفظ حق أبيه، ولكنه أثر أن يطبق ما كان يفعله مع أبيه حبًا ووفاءً وتدينًا وتفضلًا.

كما ترى -عزيزي القارئ- هذه صورة أخلاقية واجتماعية راقية وكل الصور الأخلاقية الراقية تنسجم مع روح الإسلام، لأنه يرتقي بالعلاقة إلى أسماء الصور كالإيثار والفداء وما إلى ذلك من مفاهيم لا تعرفها المادية الجافة الجوفاء التي هي طبل ضخم ملأ الدنيا بصخبه الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل أودى بالإنسان في وادي المهالك النفسية والمالية والأخلاقية وكل سحيق لا يؤمن بالإنسانية والرأفة والرحمة والوفاء حيث الله في أجلى صوره الرحيمة.

على كل حال، من الصور المشرقة في فلك ذلك هي ما غرسه القرآن الكريم والنصوص الشريفة في حديقة التدين طريقًا للوفاء لقلب المصطفى صلى الله عليه وآله من خلال ذريته الطاهرة الطيبة التي نبعت من الكوثر المحمدي فاطمة البتول سلام الله عليها ﴿إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ ۝١﴾ [سورة الكوثر] خصوصًا الأئمة المعصومين ونجوم الذرية من الأتقياء والورعين والأولياء. فقد روي أنه أوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل (عليه السلام): انطلق بإسماعيل واُمّه حتّى تنزله بيت التهامي ـ يعني مكّة ـ فإنّي ناشر ذرّيته وجاعلهم ثقلًا على من كفر بي، وجاعل منهم نبيًّا عظيمًا، ومظهره على الأديان، وجاعل من ذرّيته اثنى عشر عظيمًا، وجاعل ذرّيته عدد نجوم السماء. وقول إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم معروف”رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ”.ويروى عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): “لا يكون المؤمن مؤمنًا حقًّا حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذرّيتي أحبّ إليه من ذرّيته” (1).

لذلك من سمات المتدين أنه يجل ذرية النبي صلى الله عليه وآله في سريرته وعلانيته ولكن هناك صور قد لا تستساغ لأنها قد تصل إلى حد مُضر بالذرية الطيبة وذلك من خلال التقديس بحيث يعطى لهم حصانة عن النقد وما إلى ذلك بينما المطلوب هو الأدب في التعامل وليس الرفع إلى مستوى الحصانة. فما ينبغي على الأمة هو إظهار هذا المظهر الديني بصورة لا مبالغة ولا تفريط فيها بحيث تظهر المودة ولا تضر الذرية بما يبعث إلى مزالق أخلاقية أو اجتماعية وما إلى ذلك. وبالمقابل على الذرية الطيبة اقتفاء خطى جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله حين قال: “أنا سيد ولد آدام ولا فخر” وما روي أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [Al-Qalam: 4].

فالمحورية بين الجانبين هي النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة المعصومة الحجج على الخلق.. لذا المفترض أن الجميع يتعاون على اعطاء النبي حقه باطنًا وظاهرًا ﴿الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتي كانَت عَلَيهِم فَالَّذينَ آمَنوا بِهِ وَعَزَّروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعُوا النّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ [Al-A‘rāf: 157]. ولا يُكتفي بالظاهر دون الباطن ولا العكس بدعاوى غير ناهضة فالدين لا يدعو إلى أمرٍ غير راجح. وخير قدوة هو ما نراه عند مرور المراجع لذكر الذرية الطيبة في رسائلهم العملية في باب الخمس يعبرون عنهم بتعابير إجلال واحترام كرامة لجدهم المصطفى صلى الله عليه وآله. ومن الجدير بالذكر هو أن مما يركز عليه العرفاء من نقاط جوهرية في السلوك للتقرب إلى الله عز و جل هو إكرام ذرية النبي صلى الله عليه وآله، وذلك مستقى من اتباع أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لأبنائه بالحسن والحسين وعليهما السلام لأنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله بجانب مقام الإمامة طبعًا.

هب أن هناك من انحرف عن الجادة من هذه الذرية، لا بد أن يذكر تعظيم النسب ثم ذكر المثالب، فقد نقل عن أحد الفقهاء عند نقده لرأي أستاذه أو أحد أعلام الطائفة يقدم مقدمة طويلة تمجيدًا بمن سينتقده. فما بالك بمكانة النبي صلى الله عليه وآله .. ألا تستحق ذلك؟ ﴿ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَلَو أَشرَكوا لَحَبِطَ عَنهُم ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [Al-An‘ām: 88]

ختامًا هناك مثل مشهور مصداقه الأكمل هنا وهو “لأجل عينٍ ألف عينٍ تُكرمُ”.

دمتم أهل مودة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة وذريته الطيبة.

1. سماحة السيد عادل العلوي رضوان الله عليه

https://www.alawy.net/ar/101/1010701/1010701033/01.htm#_ftn2

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى