التجمهر في المآتم والاحتفالات
صالح المرهون
إن تجمهر الناس حول معتقداتها، واحتفالاتها ظاهرة حضارية، تدل على عمق الوعي الذي يتحلى به الشعب المحتفل بمناسباته، وهذه عادة حضارية منذ أن خلق الله تعالى الإنسان،فقد نقلت كتب التاريخ أن الشعوب القديمة كانت لها محافل خاصة تجتمع فيها لتؤدي طقوسها ومناسباتها.
ووجد علماء الآثار أن إمكان ممارسة الأنشطة الاجتماعية والطقوس الدينية قديمة مع قدم الخليقة، وأنها قد واكبت وجود الحضارات ووجود الإنسان، فلا يخلو مكان من تجمهر تجتمع فيه شرائح المجتمع ليؤدي طقوسه، أو أنشطته العلمية، أو الأدبية، أو العسكرية، أو الاجتماعية.
وتشير الدلائل التاريخية إلى أن وجود أماكن التجمهر ضرورة اجتماعية، وهي تعود إلى تاريخ وجود الإنسان، ففي حضارة ما بين النهرين وفي حوالي(عام4000ق) ظهرت شواهد تدل على وجود أماكن خاصة بالتجمهر العام، وأماكن خاصة لممارسة الطقوس العبادية، والترويحية، وهي من أهم الأماكن التي يجتمع فيها الناس، وقد تناولت الناس الكتب المتخصصة إسهام الحضارات القديمة في بناء أماكن يتجمهر فيها الناس، فيتداولون فيها أخبارهم وأخبار غيرهم وشؤونهم الخاصة، ويتداولون أمورهم المعيشية.
وتختلف أماكن التجمهر عن أماكن ممارسة الطقوس العبادية،كما أنها-أي الحضارة فرعونية-جعلت أماكن خاصة للترويح عن النفس، وأماكن خاصة للرياضة، والثقافة، وجعلت أماكن خاصة لقراءة الأساطير والروايات والأحاديث، وكذا الحضارة الصينية التي استفادت كثيرًا من مناخ الطبيعة الخلابة، حيث جعلت فيها أماكن الترفيه، والتجمهر مما شجعها على إنشاء أماكن لممارسة الطقوس الروحية، وكذلك الحضارة الإغريقية التي أنشأت أماكن لتجمهر الناس وجعلتها أماكن مقدسة، وهي أماكن للتضرع والتوسل ونمو الإنسان نحو الكمالات الروحية.
أما العرب فقد كانت أسواقهم منتديات علمية وأدبية، وعلى سبيل المثال سوق عكاظ الذي يعد معرضًا في أيام الجاهلية، بل إنه معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم، فهو مجمع أدبي لغوي رسمي له محكمون تضرب عليهم القباب، ويعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم، فما استجادوه فهو جيد وما بهرجوه فهو الزائف، كان هذا السوق شبه الجريدة الرسمية في أيامنا هذه، ولذلك جاءت النصوص الشريفة تحثنا على الذهاب إلى المساجد والمآتم لما فيها من فوائد جمة في الدنيا والآخرة، فعن عبدالله بن جعفر بن محمد، عن أبيه،قال: قال رسول الله( صلى):قال الله تبارك وتعالى: ألا أن بيوتي في الأرض المساجد، تضيئ لأهل السما كما تضيئ النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي، ألا أن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات المساجد بالنور الساطع يوم القيامة.