تظن أنك قد اتخذت قرارًا ماذا ستشتري؟ في الواقع، دماغك لا يزال يعمل على اتخاذ هذا القرار، حتى لو وضعت المنتج في سلة التسوق
المترجم: عدنان احمد الحاجي
وأنت تقف في ممر رفوف الحبوب في السوبرماركت، وتفكر مليًا في محاولة لموازنة الأيجابيات والسلبيات قبل أن تقرر شراء نخالة صحية أو بديل لها بنكهة الشوكولاتة السكرية.
تحوم يدك للحظات قبل أن تصع يدك على أحدها في النهاية وتقرر وضعه في سلة التسوق.
لكن هل تعلم أنه خلال تلك الثواني القليلة الأخيرة، وأنت تمد يدك إلي الرف وتأخذ المنتج في يدك، فإن دماغك لا يزال مشغولًا بالموازنة بين إيجابيات وسلبيات ما أردت شراءه – متأثرًا بكل شيء بدءً من وجبتك الغذائية الأخيرة، وبنظام تصنيف النجوم الصحية [نظام استرالي لتصنيف الأغذية والمشروبات المعلبة(1)]، والأغنية الجذابة المصاحبة للإعلان التجاري عن المنتج وألوان الحروف المكتوية على المنتج؟
دراستنا المنشورة مؤخرًا(2) تثبت أن أدمغتنا لا تفكر أولاً ثم تقرر. حتى أثناء مد اليد وأخذ أحد المنتجات على أحد رفوف السوبر ماركت، لا يزال دماغ المتسوق يقيم ما إذا كان سيختار المنتج الصحيح أم لا.
علاوة على ذلك، وجدنا أن قياس حركات اليد يعطينا نافذة دقيقة(4) على ما يقوم به الدماغ من التقييم (الموازنة بين السلبيات والإيجابيات) الجاري للقرار، فلا تحتاج أن تُخضع الزبائن لتصوير الدماغ بأجهزة تصوير دماغ باهظة الثمن حتى تعرف لذلك.
ماذا يقول قياس حركة اليد هذا عن عملية اتخاذنا القرار؟ وماذا يعني بالنسبة للمستهلكين والمسوقين؟
ماذا تخبرنا حركات اليد عن عملية اتخاذ القرار؟
كان هناك جدل داخل جماعة علم الأعصاب حول ما إذا كان من الممكن تغيير حركات يد الشخص لاتخاذ القرار بمجرد أن يحضَّر الدماغ خصائص الحركة الإرادية ويتخذ قرارًا بها قبل الإقدام عليها وتنفيذها(3).
لم تكشف دراستنا فقط عن أن حركات اليد يمكن أن تتغير بعد اتخاذ القرار – “بلمحة بصر” – ولكن أيضًا كشفت عن التغييرات التي تتطابق مع المعلومات الواردة من الحواس الخمس.
لدراسة كيف تجري وتتكشف قراراتنا بمرور الزمن، قمنا بتتبع حركات أيدي المتسوقين أثناء توجهها للمس / لإمساك بأحد الخيارات المختلفة الموضحة في الصور – على سبيل المثال، ردًا على سؤال “هل هذه الصورة وجه أم جسم (شيء)؟”
وعندما كانت الاختيارات سهلة، انتقلت أيديهم مباشرة إلى الخيار الصحيح. ولكن عندما كانت الاختيارات أكثر صعوبة، فإن المعلومات الجديدة جعلت الدماغ يغير رأيه، وانعكس ذلك على مسار حركات أيديهم.
عندما قارنا مسارات حركة اليد هذه بنشاط الدماغ المسجل باستخدام التصوير العصبي، وجدنا أن توقيت وكمية القرائن لتقييم نشاط الدماغ يتطابقان مع نمط الحركة.
وببساطة، فإن حركات اليد للوصول إلى المنتج تتأثر بالتفكير الجاري واتخاذ القرار.
بإثبات أن أنماط نشاط الدماغ تتطابق مع مسارات حركة اليد، تسلط دراستنا الضوء أيضًا على أن أجهزة التصوير العصبي الكبيرة والباهظة التكليف للدماغ قد لا تكون مطلوبة دائمًا لدراسة عمليات تقييم القرارات في الدماغ، حيث أن تتبع حركة اليد تعتبر أكثر جدوى من حيث التكلفة وأسهل بكثير للفحص على نطاق واسع.
ماذا يعني هذا بالنسبة للمستهلكين والمسوقين؟
بالنسبة للمستهلكين، معرفة أن أدمغتنا داىمًا ما تعمل على إعادة تقييم القرارات التي قد نعتقد أنها كانت قرارات “نهائية لا رجعة فيها” يمكن أن تساعدنا على أن نكون أكثر درايةً بخياراتنا.
بالنسبة للقرارات البسيطة مثل اختيار نوع حبوب الإفطار، قد يكون حجم التأثير بسيطًا. حتى لو كنت قد قررت من الناحية الوقائية أن يكون خيارك (المنتج الغذائي) خيارًا صحيًا، فقد يغريك في اللحظة الأخيرة غلاف العبوة المبهرج لمنتج آخر أقل جودة من الناحية الصحية.
ولكن بالنسبة للقرارات المهمة طويلة الأمد مثل اختيار الرهن العقاري (قرض لشراء منزل)، فقد يكون لها آثار وخيمة.
تستمر أدمغتنا في تقييم قراراتنا حتى أثناء الشروع في تنفيذها
يستخدم المسوقون استراتيجيات، كالتغليف الجذاب والاعلان التجاري للمنتج product placement الاستراتيجي [في السينما والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى(5)] للتأثير في قرارات المستهلكين.
إن الأساليب الجديدة لدراسة كيف تعالج أدمغة الناس المعلومات – حتى اللحظة الأخيرة – يمكن أن تساعد المسوقين على تصميم استراتيجيات تسويقية أكثر فعالية.
فرص لمزيد من الأبحاث
يمكن إجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال لاستكشاف كيف تؤثر أنواع مختلفة من المعلومات، مثل أمارات أو قرائن المحيط (مثلًا، الوجبة الأخيرة التي تناولها المتسوق ونظام تصنيف النجوم الصحية) ، أو الذكريات، في عملية تقييم القرارات الجارية في مجموعات مختلفة من الناس. على سبيل المثال، كيف يتعامل أشخاص من مختلف الأعمار مع المعلومات أثناء اتخاذ القرارات؟
نتائج دراستنا – أن حركات اليد تعكس آليات الدماغ لعملية اتخاذ القرارات – يمكن أن تجعل الدراسات المستقبلية أرخص من ناحية التكلفة وأكثر كفاءة.
القدرة على تحسين التسويق بهذه الطريقة لها تبعات تتجاوز مجرد بيع المنتجات. ويمكن ان يجعل هذا التحسين في عملية التسويق أيضًا الرسائل الإستراتيجية (كالرسائل الصحية، مثل التطعيمات) الموجهة للعامة أكثر فعالية بكثير.
ويمكن أن يشمل ذلك تصميم حملة للصحة العامة بشأن محاربة التدخين الإلكتروني خاصة بالأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، أو استهداف عمليات الاحتيال المتعلقة بالتقاعد برسائل أكثر فعالية لمن هم في سن التقاعد.
إن عملية اختيار منتج معين ليست نتيجة بسيطة لقرار تم اتخاذه بالفعل؛ بل هي عملية ديناميكية (جارية) جدًا. كوننا على دراية بما يؤثر في عملية اتخاذ القرار في اللحظة الأخيرة يمكن أن يساعدنا في اتخاذ خيارات أفضل تؤدي إلى نتائج أفضل.
بقلم تيجل غروتسواجرز، زميل أبحاث أول في علم الأعصاب المعرفي وجينيفيف كويك، زميل باحث، ومانويل فارليت، أستاذ مشارك في علم الأعصاب المعرفي، جامعة غرب سيدني
Tijl Grootswagers, Senior Research Fellow in Cognitive Neuroscience, Genevieve L Quek, Research Fellow, and Manuel Varlet, Associate Professor in Cognitive Neuroscience, Western Sydney University
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_تصنيف_النجوم_الصحية
2- https://www.nature.com/articles/s41598-024-62135-7
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_حركية
4- https://www.nature.com/articles/s41598-024-62135-7
5- https://www.meemapps.com/term/product-placement
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/think-youve-decided-what-to-buy-actually-your-brain-is-still-deciding-even-as-you-put-it-in-your-basket-234167