كيف يمكنك أن تساعد طفلك على اكتساب التنظيم الذاتي؟
المترجم: عدنان احمد الحاجي
بقلم ناتالي داي، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه، جامعة ولونغونغ الأسترالية
نحن بحاجة إلى أن تكون لنا القدرة طوال حياتناعلى إدارة أفكارنا وتصرفاتنا. نحن بحاجة إلى ذلك لتحقيق مختلف الأهداف والتعايش مع الآخرين – حتى لو وقفت مختلف المشتتات والدوافع الأخرى حجر عثرة في طريقنا.
تلك هي قدرتنا على التنظيم الذاتي (1، 2)، والتي تبدأ في الظهور بين سن الثالثة والخامسة.
لقد قمت أنا وزملائي بدراسة عما يمكن للآباء والأمهات فعله لمساعدة أطفالهم على تعلم (اكتساب) التنظيم الذاتي (3). ما هي الأمور التي ينبغي والأمور التي لا ينبغي فعلها؟
لماذا التنظيم الذاتي مهم للأطفال؟
قدرة الطفل على التنظيم الذاتي لها أثر كبير في المخرجات قصيرة الأمد مثل تكوين أصدقاء والحفاظ على صداقاتهم، والإنهماك في المدرسة [أي مدى رغبة الطلاب وفضولهم وتفاؤلهم والاهتمام بالمادة الدراسية (4)، وإحراز التقدم أكاديميًا.
يتيح التنظيم الذاتي الفرصة للأطفال للاستمرار في المهمة التي يعملون عليها أو الوضعية التي هم فيها حين تتصعب الأمور، والاستمرار في تركيز انفعالاتهم (مشاعرهم) وتصرفاتهم على تلك المهمة أو الوضعية بغرض الوصول إلى تحقيق أهدافهم.
على سبيل المثال، في حالة اللعب مع الأصدقاء، الطفل الذي له القدرة على التنظيم الذاتي ينتظر دوره، ويلتزم بقواعد اللعب، والاستمرار فيه حتى لو خسر. قد ينزعج بسهولة ويحبط الطفل الذي يعاني من مستويات متدنية من التنظيم الذاتي، وفي بعض الحالات يصبح غير منظم انفعاليًا (5). وقد يصاب بسورة غضب حادة ويفقد صوابه وينهار.
ولكن من الممكن أيضًا أن تكون هناك تبعات على الحياة في المستقبل. مستويات التنظيم الذاتي المتدنية في سن ما قبل المدرسة اقترنت بطائفة من المشكلات في مرحلة الرشد (20 سنة وأكبر)، مثل ممارسة لعب القمار وتعاطي المخدرات والصحة السيئة [وهي حالة عدم قدرة الشخص على القيام بدنيًا أو ذهنيًا أو اجتماعيًا بما هو مطلوب منه (6)] والأرق (7) ومشكلات فرط الوزن والبدانة.
القدرة على التنظيم الذاتي تظهر ببلوغ الطفل الثالثة تقريبًا، عندما يخضع الدماغ لنمو فيزيائي سريع (8). فترة ذروة النمو عادة ما تحدث بين السنة الثلاثة إلى الخامسة.
القدرة على التنظيم الذاتي لا تتأثر بالوراثة فحسب، بل تتأثر أيضًا ببيئة الأطفال وتجاربهم (ممارساتهم) [بما فيها نوع وحجم البيت الذي يعيش فيه الطفل وعدد الساكنين فيه ومستوى الدخل الاقتصادي للعائلة ومن يتولى التربية من غير الوالدين وجودة التعليم الذي يتلقاه الطفل وغيرها من العوامل (9، 10)] . هذا تأتي أهمية تدخل الوالدين.
الإسراع “للمساعدة”
وبطبيعة الحال، يريد الآباء والأمهات حماية أطفالهم من مواجهة الصعوبات. لكن في بعض الأحيان، قد تؤدي هذه الرغبة في حماية الأطفال و”مساعدتهم” إلى إعاقة تطورهم ذهنيًا.
يواجه الأطفال تحديات وصعوبات في كل الأوقات – قد تتمثل تلك الصعوبات في فتح عبوة ماء، أو البحث عن إحدى الألعاب في غرفة نومهم، أو ربط أربطة أحذيتهم. كوالدين، بإمكاننا في كثير من الأحيان الإسراع وحل المشكلة بصورة فورية.
ولكن من المهم لنمو دماغ الأطفال (11) أن يواجهوا تلك التحديات ويتعاملوا معها لوحدهم وبأنفسهم. وعندما يترك الوالدان طفلهما يواجه المهام الصعبة بنفسه، فذلك كفيل بتعليمه كيف يفكر بشكل مرن وكيف يبحث عن الحلول المناسبة بنفسه ويثابر من أجل تحقيق أهدافه. كما يستطيع توليه أموره بنفسه مستقبلًا.
مثابرة الطفل أثناء ممارسة إحدى الألعاب والاصرار على الاستمرار فيها قد يترجم إلى الاصرار على ربط أربطة حذائه بنفسه، وبمرور الزمن، تقل وتيرة سورات غضبه الحادة وفقده لصوابه وانهياره.
ماذا يتحتم على الوالدين فعله كبديل؟
هذا لا يعني أن على الوالدين تجاهل طفلهما إذا كان ممتعظًا ومغتمًا بشدة أو يمر بحالة صعبة، أو وقع وأصيب بجروح خطيرة.
ولكن هناك الكثير من المناسبات الأخرى التي ينبغي فيها التروي قبل المسارعة إلى مد يد المساعدة، أو، كخيار، المسارعة في تقديم المساعدة بطريقة غير مباشرة..
على سبيل المثال، إذا كان الطفل يحد صعوبة في البحث عن قطعة الأحجية الصحيحة حتى يستمر في حل الأحجية، فعلى الوالد أو الوالدة الانتظار حتى يطلب الطفل المساعدة أو تظهر عليه أمارات الإحباط بوضوح.
إذا كان ذلك ممكنًا، ابدأ فقط باستخدام الكلمات الإرشادية التي تساعده على التذكر، بدل أن تأخذ بيده وتساعده بشكل عملي على الحل. بإمكانك أن تشجعه وتطرح عليه أسئلة وتلمح له بتلميحات وتقترح عليه اقتراحات لمساعدته على التوصل إلى الحل. على سبيل المثال، تسأله بهذا السؤال “هل جربت كل قطع الأحجية؟؟”
أو إذا كان يلعب لعبة مكعبات الليغو، قد يذكِّره والداه بنجاحه الأخير أو يسألانه “ماذا يتبين له في مخطط رسمة لعبة الليغو؟”، وقد يعطيانه إشارة أو تلميحة مثل “ربما تحتاج أحيانًا إلى الرجوع بعض الخطوات إلى الوراء لتجد أين ارتكبت خطأً”، أو ربما بطريقة أكثر مباشرة، “ما رأيك في لو راجعنا معك الخطوات التي قمت بها إلى هذا الحد لنعرف إين وقع الخطأ؟”.
هذا النوع من التوجيه يعني أن الطفل هو من يقوم بحل المشكلة أو المسألة بننفسه.
صعّد من مستوى مساعدتك له
إذا كان الطفل لا يزال عالقًا في محاولته الحل، فبإمكان والديه مد يد العون وتقديم المزيد من التوجيهات له. عندما يحاول الطفل إكمال جزء من الأحجية، قد يقوم أحد الوالدين بتحريك بعض القطع بالقرب من الطفل لجذب انتباهه إليها.
إذا لزم الأمر، ستكون المقاربة الأكثر مباشرة هو تحديد القطعة التي يبحث عنها الطفل، وتسليمها بيد الطفل حتى يتمكن من وضعها في مكانها المناسب ليبقى نشطًا ويكمل الحل.
قد لا تكون القطعة التي في يد الطفل على الوجهة الصحيحة وقد تكون مقلوبة، لذلك على أحد الوالدين استخدام التوجيه اللفظي للتشجيع الطفل على المحاولة أو اقتراح قلب القطعة حتى يعرف ما إذا كانت مناسبة للمكان أم لا.
الأطفال لا يزالون مسؤولين عن أنفسهم
الشيء الأساس الذي يجب أن تتذكره هو أن الطفل يجب أن يكون هو محور الارتكاز في توجيه مقاربة والديه لمساعدته.
لا تتدخل دون أن يطلب منك ذلك، ولا تقدم الدعم المطلوب بصورة كاملة أو فورية.
بأمكانك أولا تشجيعه وإعطائه بعض التلميحات له واقتراح اقتراحات عليه قبل أن تقدم مساعدة عملية له. استمر في منح طفلك فرصة العمل على المسألة (الأحجية) بنفسه. واعلم أن طريقته في حل الأحجية قد تكون مختلفة عن طريقتك.
مصادر من داخل وخارج النص
1- “التنظيم الذاتي Self-Regulation) ): مصطلح مستخدم في علم النفس ويشير إلى قدرة الفرد على التحكم في ردود أفعاله والسيطرة عليها في المواقف التي تحرك لديه استجابات اندفاعية عاطفية وسلوكية، وأطلق عليه المتخصصون اسم التنظيم الذاتي للدلالة على أن الذات هي المسيطرة.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://hbrarabic.com/المفاهيم-الإدارية/التنظيم-الذاتي/
2- https://psycnet.apa.org/record/1982-11766-001
3- https://www.mdpi.com/2076-3425/14/9/924
4- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3041102/
5- https://tophat.com/glossary/s/student-engagement/
5- “عدم التنظيم الانفعالي emotional deregulated يشير إلى الصعوبات التي يواجهها الطفل في التعرف على المشاعر والتعبير عنها، وإدارة الأسنتجابات الانفعالية في الفعاليات الاجتماعية. قد ينطوي ذلك على إما تثبيط المشاعر أو استجابات انفعالية مبالغ فيها وشديدة تعيق توصل الطفل إلى ما يريد أو يحتاجه. “عدم التنظيم” يعتبر أكثر من مجرد إظهار مشاعر. المشاعر هي إشارة أو منبه يمكن أن يعطينا أفكارًا مهمة لأنفسنا، وتفضيلاتنا، ورغباتنا، وأهدافنا. الدماغ غير المنظم من الناحية الانفعالية مرهق ومثقل (في كثير من الأحيان بمشاعر مزعجة كالإحباط وخيبة الأمل والخوف) ويصبح مستعدًا لاستجابة الكر أو الفر.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://theconversation.com/parents-are-increasingly-saying-their-child-is-dysregulated-what-does-that-actually-mean-221989
6- https://www.toppr.com/ask/question/what-is-poor-health/
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/أرق
8- https://www.researchgate.net/publication/216743350_Normal_Development_of_Prefrontal_Cortex_from_Birth_to_Young_Adulthood_Cognitive_Functions_Anatomy_and_Biochemistry
9- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC5123795/
10- https://lead-academy.org/blog/environmental-factors-that-affect-child-development/
11- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3159917/
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/how-can-you-help-your-child-learn-to-self-regulate-240454