أقلام

مشجعو الرياضة كم هم أوفياء.. حبيب المحاسنة أنموذجًا

زكريا أبو سرير

الانتماء الرياضي يعد واحدًا من المفاهيم البارزة في عالمنا الحديث، إذ لا يمكن لمجتمع بشري في أنحاء العالم ألا وتجد فيه مجموعة أو مجموعات لهم انتماء رياضي للعبة رياضية معينة أو ألعاب متعددة، تشكل له هوية وهواية يمارسها بشكل يومي أو يتابع أخبارها على مدار اليوم تقريبًا. وأبرز هذه الألعاب الرياضية هي اللعبة التي اكتسحت أكبر مساحة من المشجعين والهواة، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، ألا وهي رياضة كرة القدم، حيث يصعب أن تجد شخصًا لا يوجد لديه انتماء لنادٍ رياضي لكرة القدم. حتى أن بعض المشجعين يتجشم العناء ويقطع المسافات ليصل إلى البلد الذي يتواجد فيه ناديه المفضل، وقد وكثيرا ما يكون المشجع غير ملم تمام الإلمام بثقافة ذلك البلد، ولكن لا تسأل محبًا عما يحب؛ فمرآة الحب عمياء.

والانتماء الرياضي لا يرتبط بشكل أو بلون أو دين أو طائفة أو عرق، بل الميزة في الانتماء الرياضي أنه يلغي من قاموسه هذه الخارطة الثقافية التمييزية الإقصائية، بل يحاربها ويقف أمام كل من يحملها أو يتبناها موقفًا حازمًا وصارمًا بحيث لا يُسمح أن تُنشأ هذه الثقافات العنصرية البائسة في البيئة الرياضية المنفتحة، فهي ثقافة تقتل الروح الرياضية، بل تعدّها ثقافة تدميرية للبيئة الرياضية والرياضيين، حيث إن الرياضة تدعو للتعايش مع كل عنصر بشري بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وثقافته، بمعنى أن الكيان الرياضي عنصر جامع لا منفر، أي أنه خالٍ من كل ما يسمى بالسموم الفكرية الثقافية الظلامية، إذ إن المجتمع الرياضي تركيبته تعتمد على التنوع العرقي والديني والثقافي، ودون هذا التنوع لا يشكل الفريق الرياضي أي نوع من المتعة الرياضية.

هنا نبذة عن المشجعين في تاريخ الرياضة لكي نفهم مستوى تأثيرهم على الرياضة والرياضيين والجمهور بشكل عام. دعونا نذهب إلى أول فرقة أُنشئت كمشجعة للرياضة وكيف أصبحت.

حسب تتبعي، إن أول فرقة رياضية أُنشئت في العالم هي مجموعة “الألتراس”، وبالتحديد في البرازيل عام 1940م، ثم انتشرت في دول أوروبا والعالم تقريبًا، وأصبحت ظاهرة تشجيعية رياضية مهمة لها إدارة تقوم بتنظيمها ومتابعة نشاطها التشجيعي في الملاعب الرياضية أولًا بأول، ولها ميزانية مستقلة عن النادي الذي تشجعه وتذهب معه أينما ولى.

“الألتراس” Ultras كلمة لاتينية وتعني حرفيًا “الفائق” أو “الزائد عن الحد”، أما المعنى الشائع لها فهو التعبير عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها الرياضية والمؤازرة له مهما كلف الأمر، ولها قائد يقود هذه المجموعة ويوجهها حيث يريد عبر الغناء طوال المباراة دون توقف لغرض التشجيع أيًا كانت النتيجة، فهي دورها القيام برفع همم اللاعبين، وبهذا هي عبارة عن الوقود الذي يولد الطاقة والحماس للاعبين مع خصمهم، فلا غنى عنهم لا على صعيد اللاعبين ولا على صعيد المتابعين والمحبين، فهم يشكلون الصورة الجمالية في الملعب.

الأخ حبيب المحاسنة عُرف عند الكثير من أهالي جزيرة تاروت بأنه واحد من أبرز المشجعين لنادي الهدى بتاروت. رغم عمره الذي ناهز السبعين عامًا إلا أنه ظل على الوتيرة نفسها والحماس نفسه الذي كان يحمله في شبابه، فضلًا عن أنه كان رياضيًا ولاعبًا في نادي الهدى بجزيرة تاروت نفسه للكرة الطائرة، وكان وقتها يُعد واحدًا من أبرز اللاعبين في كرة الطائرة.

الكابتن حبيب المحاسنة يُعد حاليًا ضمن دائرة مجموعة المشجعين الرياضيين المخضرمين من أبناء جزيرة تاروت، أمثال الأخ محمد آل حسين، وعلي ناصر حماد، وأخيه، وغيرهم من المشجعين البارزين القدامى في جزيرة تاروت، فالكابتن حبيب ما يزال يحمل شعلة ملتهبة من الحب والنشاط تجاه ناديه، أو كما يحلو له تسميته “بالوردي”، فهو دائمًا على لسانه “الوردي في دمي وعروقي وقلبي، بل هو قطعة من جسدي” كما يحلو له التعبير في وصف حبه لنادي الهدى.

قبل أيام قليلة، تعرض الكابتن حبيب المحاسنة مع ابنه الشاب أحمد لحادث مؤلم، في طريقه للتشجيع ومؤازرة نادي الهدى في إحدى مبارياته في كرة اليد مع نادي الصفا العريق، والذي فاز بها نادي الهدى، تسبب الحادث في دخولهما إلى المستشفى وإلى غرفة العناية المركزة،

وهذه الانتصارات المتلاحقة والرائعة لنادي الهدى كانت حلمًا فَتحقق على أرض الواقع، وأصبح محطة تاريخية مهمة في مسيرة النادي. أضاف هذا الإنجاز مع الإنجاز الذي سبقه، وهو الفوز بالسوبر الذي جمع بين نادي الهدى ونادي الخليج العريق، تحت إدارة الشاب الطموح رجل الأعمال المهندس مصطفى شاكر آل نوح مع فريقه الإداري المتميز.

وبمجرد وصول خبر فوز نادي الهدى إلى الكابتن أبي محمد وهو على السرير الأبيض، نزل الخبر عليه بردًا وسلامًا، حتى محا من ذاكرته ما حصل له، ولم يشعر بعدها بتلك الآلام التي أدت إلى كسر يده وشيء من فقرات ظهره، فضلًا عن خسارته لمركبته، فلا عجب من ذلك إذا صدر من مشجع عاشق ومخضرم أحب ناديه وأخلص له منذ الطفولة ونشأ تحت ظله حتى هرم، وورّث ذلك العشق الرياضي إلى أبنائه، حيث شكل لهم هذا النادي قدرًا كبيرًا من الأصالة والرمزية والهوية والدفء والعشق الأبدي، فمثلهم لا يُلامون على هذا الولاء وعلى هذه العلاقة الوثيقة التي تربوا ونشؤوا عليها وارتبطوا بمحبوبهم الأول وهو نادي الهدى الذي يحمل شعار المحبة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى