فواها لها
السيد فاضل آل درويش
يتعامل الإنسان الحذِق الفهم مع مصادر الخطر والأذى بنباهة وحذر واستعداد للوقاية منها وتجنّب الإصابة بها، وهذا التعامل اليقظ يمتد على مختلف الأبعاد والمستويات في حياته وعلاقاته واهتماماته، فمثلًا تجده في الجانب الصحي يتوقّى مسببات المرض ويتخذ كافة الإجراءات لمواجهة خطرها، ولذا حتى على مستوى اهتمامه بملابسه وهندامه لا يهمل الاختلاف بين فصول السنة وتغيّر الأجواء فيها، وكذلك على المستوى الاجتماعي يتجنب عقد الصداقات مع الأشخاص المتصفين بالرذائل الأخلاقية كالكذب والنفاق والحسد وغيرها، وهذا الأمر لا خلاف ولا نقاش فيه لظهوره بالوجدان أمام ناظري الجميع، فهل يتعامل الواحد منا مع نفسه التي بين جنبيه والتي يحافظ عليها من المساس بها بأي سوء، وكأنها عدو يحفر له حفر المكر والخداع وقد يصيبه الأذى منها أكثر من ذاك العدو الحاقد المتربص به الدوائر، والسبب أن علاقاته مع الآخرين يضع لها المعايير التي تصنف الناس من حوله فيتعامل معها وفق تلك الأسس في الاختيار، ولكن نفسه التي يُكنّ لها الحب الفائق (غريزة حب النفس) قد تهوي به إلى وادي الخسران السحيق في غفلة وجهالة منه، وذلك أن النفس لها ميولها وأهواؤها المتعلقة بالغرائز والشهوات، وما لم يكن هناك نظام كبح وتوقف أمام المغريات المحرمة فسينساق لها انسياق الأعمى، وهذا القرآن الكريم يحذّرنا من نماذج تعاملت مع المغريات الدنيوية تعامل المفتون بها فخاب مسعاه، فقارون مثال لسلطة حب المالً الذي جعله يكفر بالله تعالى وينسحب عن الفئة المؤمنة واتباع نبي الله موسى (ع)، وهكذا في سيرة الأمم السابقة أمثال وتجارب وخبرات توضع أمام بصيرة العاقل ليتأملها ويتفكّر بها، لعلها تكون محذرة له من الوقوع في نفس المسير وارتكاب الأخطاء، وهذا ما أشار له أمير المؤمنين (ع) من التأوه من هذه النفس التي هي أقرب الأقربين لنا وأعدى الأعداء المضمرين السوء في الوقت نفسه، فليكن المرء على حذر من الوثوق بنفسه الثقة العمياء التي يغمض فيها عين الحذر من الوقوع في الزلل والآثام، فكم من إنسان أصابه الغرور بالنفس والاعتداد بأن لا ينساق أبدًا مع تزيين الشيطان الرجيم والوقوع في المعصية، إذ كان يرى نفسه محصّنًا بالقوى الفكرية التي تستوعب الموقف وتتفهّم الدور الذي يؤديه بتجنب الانزلاق فيها، ولكنه في محطة الاختبار وقع كغيره بعد أن أعطى نفسه ثقة في غير موضعها.
النفس الأمارة بالسوء تتلظّى وتتخفّى خلف شهواتها ولا تظهرها إلا في اللحظة المؤاتية والفرصة المناسبة لها وقد تهيأت الظروف لارتكاب الخطية، في غفلة من صاحبها عن تهذيبها وتربيتها وتنقيتها من شوائب الميول والأهواء.
والمعالجة التربوية والأخلاقية للميول والأمنيات والظنون الخائبة هو محاسبة النفس ورقابة أفعالها وتصرفاتها، فكلما وجد نفسه تنشغل بالمظاهر الدنيوية وتعلّقت بالظنون السيئة وطالت آمالها فليكن على حذر شديد حينئذ، فالحذر الحذر من كوامن النفس وخفاياها وعالمها الذي يسير باتجاه متاع الدنيا الزائل.