حقائب على الأكتاف
السيد فاضل آل درويش
مألوف هذا المشهد للمسافر أن يحمل على كتفيه أو يمسك بيده حقيبته يجرها معه، يحمل فيها كل ما يحتاجه من ملابس ومستلزمات في سفره ويحرص على أن لا ينسى شيئًا منها، وهذا نتيجة تصوّره لمدة الرحلة واحتياجاته فيها فيعمل جاهدًا على توفيرها، وينقلنا هذا الحديث إلى الرحيل الأخروي المحتّم من هذه الدنيا بعد قضاء أجل مسمّى فيها، ويختلف جوهر وأبعاد الحياة الدنيوية عن الحياة الأخروية، فالدور الوظيفي للإنسان في هذه الحياة هو أن يزرع العمل الصالح وصنع المعروف، وترك بصمة جميلة في نفوس الآخرين حينما يتذكّرون كلامه اللطيف وتعامل الحسن وأخلاقه الجميلة معهم، وأما مرحلة الحصاد وجني الثمار فيكون في الدار الآخرة، حيث تُنصب موازيين العدالة الإلهية ويخضع كل فرد للمحاسبة والجزاء على ما قدّمت يداه، وبالتأكيد أن الدرجات الجزائية – النعيم أو الجحيم – تختلف درجاته تبعًا لمسعى المرء في مضمار الحياة، فشتان بين من عمل جاهدًا على استغلال وقته وتنظيمه واقتناص الفرص والعمل الكادح وما بين من خاب مسعاه أو قصّر، وذلك للفهم الخاطيء لطبيعة دوره الحياتي أو بسبب ضعف إرادته وانخفاض مستوى همته، فسار في الحياة في وجهها المادي الظاهري والتصق بمتاعها الزائل.
الزاد الحقيقي لهذا السفر الأخروي هو التقوى وتجنّب الزلات والخطايا وتنزيه النفس عن الرذائل الأخلاقية والشهوات المتفلّتة، فالاستقامة والثبات والصبر عنوان وهوية الإنسان العامل والناجح في مسعاه والطالب لعلياء التكامل والفضيلة، وهذا لا يعني أن طريق الطهارة النفسية والورع عن محارم الله تعالى أمر سهل، بل هو طريق عمل ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء ونباهة على طول الطريق من الوقوع في حفر المكر الشيطاني، فهل حدّثنا أنفسنا أمام مرآة الصراحة والمحاسبة بطبيعة اللقاء الأخروي، وكيف سيكون حالنا أمام موازين العدل الدقيق، أم أننا سنكون من أولئك الذين يتمنّون الرجوع إلى الحياة الدنيا مرة أخرى لتعديل موازين العمل والاستكثار من فعل الخير والصالحات، ولكن هيهات؟!
هذه الوقفة الحسابية ما أجملها إن أعادت حساباتنا ووضعت أيدينا على مواضع الزلل والتقصير للتراجع عنها والتعويض، فهذه اليقظة الروحية كفيلة بالإقلاع عن الخطايا إن صدقت النية وعزم على التغيير الإيجابي المستقبلي.
البعض يسير في هذه الدنيا سير الأعمى الذي لا يلقي بالًا ولا اهتمامًا بمصيره الأخروي وما يلاقيه من عقاب أليم على ارتكاب الآثام، ولا يسمح لنفسه بالتقاط الأنفاس والتوقف لهُنيئة من الوقت يعيد في حساباته و يتفحّص فيها سجل أعماله، مما يجعله يرتكب الخطيئة بعد الأخرى حتى يُصاب بقسوة القلب وتصلّب المسعى وضعف الإرادة في مواجهة أعداءه (الشيطان – النفس الأمارة بالسوء – الأهواء والشهوات)، وهنا مكمن من مكامن الخطورة على مصير الإنسان وهو الاستهانة بارتكاب الذنوب، وخصوصًا إذا تآزرت مع غرور و اعتداد ببعض الأعمال الصالحة، فحينها يداهمه مرض أخلاقي آخر وهو اليأس من رحمة الله تعالى واستصعاب العودة مجددًا إلى أحضان النزاهة النفسية والتقوى.