أقلام

نحو بناء أفضل

السيد فاضل آل درويش

ينظر الكثير منا إلى الأوقات العصيبة واقتحام الأزمات حياتنا فجأة دون سابق إنذار بعين اليأس، والنظرة عينها إلى الصدمات النفسية أو العاطفية بعين الألم والفكرة السوداوية والسقوط المدوي على أرض الضعف واليأس، ولا يمكن لأحد منا أن ينكر حقيقة الألم والأذى اللاحق بالنفس إثر تلك اللحظات المضنية والمتعبة، ولكن فكرة الاستسلام والتصنيف الذاتي في خانة الضعف خاطئة وتقودنا إلى الخسارة الكبرى، إذ لتلك المصاعب والتجارب المريرة وجه آخر يكشف عن تحديات ومحطات اختبار لما نمتلكه من أدوات تفكير وقدرات تحمل ونفس طويل على التعايش مع الآلام، فإن الشدائد لها دور كبير في تشكيل الأطر المحددة لشخصياتنا وصقلها بعوامل القوة والاقتدار في معارك الحياة ومتاعبها.

التفكير المتأني والبحث الهاديء عن أبعاد المشكلة وطرق الخروج منها تعد من أهم المكتسبات من المحن، حيث يعيد حينها إعادة ترتيب أوقاته ودراسة نقاط تقصيره وأخطائه، كما أن الصبر والقدرة على تحمل الآلام والخروج من رحم المعاناة وقد اكتسب مبدأ مواجهة التحديات يعد مكسبًا آخر، فطبيعة الظروف الحياتية هي مواجهة المشاكل والصعوبات واقتحامها لمجريات أيامنا، والقوة الحقيقية لشخصية الإنسان هو لبس مدرعة الصبر والنفس الطويل في مواجهة التحديات، فالأهداف والغايات والطموحات التي تداعب فكرنا ومشاعرنا تستحق التمسّك بها بكل جد واقتدار، و أما السقوط في أتون اليأس واستشعار الضعف فهو كمن يرسم نهاية مؤلمة لآماله، دون أن يلتفت لما يتمتع به من قدرات وإمكانات يمكنه من خلالها تغيير موقعه على أرض الواقع، فالانهيار النفسي هو السهم المميت الذي يقضي على الفرد، وقد يكون هو من وجّهه لذاته من خلال الاستسلام وضعف الإرادة.

وكثيرًا ما تتحوّل الصعوبات والتحديات إلى فرص سانحة ينبغي السعي إليها واقتناصها، وتكون مستقبلًا المحفّز الذاتي للفرد نحو التغيير الإيجابي والتخلص من الصفات السيئة أو التخلي عن ملامح التقصير والتخلي عن المسؤولية، فقد يصاب المرء بالوهم في تفكيره من خلال الخلود إلى التأقلم مع الأزمة أو الصعوبة كما يزعم، من خلال تكتيف اليدين عن أية محاولة للتغيير والعمل على رفع ركام المشكلة، والحقيقة أن التكيف مع الواقع الصعب من أهم مباديء التعايش وتحصيل الراحة النفسية، ولكنه لا يأتي إلا بعد القيام بخطوات جادة في طريق التغيير ونفض غبار الصعوبة، فهو أمام تحدّ لقدراته وإمكاناته وعليه العمل جاهدًا لإثبات ذاته في هذه المواجهة، وكم من إنسان كان لا يمتلك إرادة التغيير وتحمل مبدأ المسؤولية في مواجهة الصعوبات، وما غيّره وصنع منه إنسانًا يصارع العقبات ويواجهها بما أوتي من قوة، إلا بعد أن صفعه الزمن بتجربة أو حدث مؤلم أخذ منه مأخذه من الألم، ودفعه نحو تغيير مسار تفكيره ونظرته للحياة بعين الواقعية والفاعلية، فعمل جاهدًا على بناء حياة أجمل ليس من خلال الأمنيات البعيدة، بل من خلال النظر لكل يوم في حياته وما يحمله من واجبات ومسؤوليات كمحطة تحديات استعدّ لها كثيرًا.

النضج والرشد والتكامل الفكري والسلوكي في شخصية الإنسان لا يأتي من فراغ، والتجارب القاسية أحد روافد تشكّل شخصيته متّسمًا بالإيجابية وإدراك الواقع، فالحياة مدرسة تحمل صنوف الدروس فيتلقاها من يحمل همّ بناء نفسه وصنع موطيء قدم له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى