الشيخ أبو طميطة الحساوي.. بين إبراهيم وأحمد في سلسلة أصداء وآراء
رباب حسين النمر: الأحساء
ضمن سلسلة فعاليات “آراء وأصداء”، استضاف الشاعر أحمد الرمضان الكاتب إبراهيم الرمضان هذا الشهر بمناسبة صدور كتابه الجديد “الشيخ أبو طميطة الحساوي”. ركزت محاور اللقاء على الأدب الساخر وتجربة الكاتب في هذا المجال، حيث كان اللقاء حافلًا بالطرافة والإبداع.
الضيف، إبراهيم بن علي بن الميرزا حسن الرمضان، وُلد في الأحساء عام 1982، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء. يعمل في جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، وله باع طويل في الكتابة، حيث نشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات المحلية والإلكترونية. كما صدرت له أعمال أدبية متميزة، منها رواية قصيرة بعنوان “عتاوية سنة 2000″، وكتابه الأحدث “الشيخ أبو طميطة الحساوي”.
فيما يلي، نستعرض تفاصيل هذا اللقاء الذي امتزج فيه الطابع الفكاهي مع جماليات الأدب الساخر، ليقدم تجربة فريدة من نوعها.
حدثنا عن بداياتك في تجربة الكتابة؟
عُرفت عائلة الرمضان منذ مئتي عام باهتمامها العميق بمجالي العلم والأدب. ولعل من أبرز الشخصيات التي تركت أثرًا مبكرًا الشيخ محمد الرمضان، صاحب القصيدة النونية الشهيرة “خير الوصية”، وهي قصيدة طويلة حافلة بالحكم والمواعظ. منذ ذلك الوقت، اشتهرت العائلة بتخريج العديد من الأدباء والشعراء، ومن بينهم محدثي الشاعر أحمد الرمضان، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات الأدبية البارزة.
وقد تأثرتُ شخصيًا بالعديد من أفراد العائلة، منهم المؤرخ الشيخ جواد الرمضان، وأخيه الأديب والشاعر أبو سمير الرمضان، الذي كان يتميز بأسلوب سردي ساحر يمزج بين التاريخ والقصص بطريقة تأسر القلوب.
عندما كنت أقرأ كتاباته عن الأحداث القديمة التي عاصرها، كنت أشعر وكأنما يخاطبني بشكل شخصي.
كما تأثرتُ بجدي لأبي، الحاج ياسين عبد الله الرمضان، الذي ترك بصمة أدبية فريدة على الرغم من فقدان الكثير من تراثه. ومع ذلك، يبذل أبناؤه جهودًا كبيرة لجمع ما تبقى من إرثه. ومن بين ما عُثر عليه كتيب صغير يضم خواطر وحِكمًا قصيرة، بعضها لا يتجاوز السطر الواحد، أشبه بما نسميه اليوم “تغريدات” ومن أكثر تلك الحِكم التي استوقفتني واحدة كتبها عام 1962م، يقول فيها: “الحرية غير الصحيحة جنون صحيح”.
ثم تحدث الضيف عن تجربته الكتابية قائلاً: كنت شغوفًا بالقراءة منذ طفولتي المبكرة، وقد بدأ هذا الاهتمام منذ أن كنت في الصف الثالث الابتدائي، حيث كنت أتابع بشغف مجلتي _باسم وماجد_ ، بما تضمانه من قصص وموضوعات ممتعة. إلى جانب ذلك، كنت أستكشف المعارف المخزنة في جهاز (كمبيوتر صخر) الذي اشتهر بين أبناء جيل الثمانينات. في تلك الفترة، فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعي موجودة مثل الآن، لذا كانت القراءة هي وسيلتي الأساسية لشغل وقت الفراغ.
كذلك كنت أرافق والدي – رحمه الله – في زياراته للأقارب والأصدقاء، ودائمًا ما كانت تجذبني المكتبات المنزلية التي أجدها في بيوتهم، حيث كنت أقضي وقت الزيارة في قراءة الكتب التي أجدها. وعندما بلغت الثالثة عشرة، بدأت أمارس الكتابة لأول مرة، والفضل في ذلك يعود إلى مدير مدرستي، الذي طلب مني أن أفرغ ما يدور في ذهني على الورق أثناء الحصص التي لا تستهويني وذلك بناء على شكوى أحد المعلمين الذي لاحظ شرودي خلال الحصص، على أن يطلع هو بنفسه على ما أكتبه، ومن هنا بدأت تجربتي مع الكتابة.
وبحلول الصف الثالث المتوسط، بدأت أتعمق في كتابة النصوص المسرحية، متأثرًا بالحلقات الدينية التي كنت أحضرها آنذاك. وفي العام 1997، كتبت أول نص مسرحي بعنوان _سبق السيف العذل_ الذي لم يتم نشره في حينه بل ظل حبيس دفاتري، وكنت أعود إليه وأعدله كل عام تقريبًا.
وبحلول عام 2000، اكتمل النص تمامًا وتحول إلى رواية بعنوان عتاوية سنة2000_ ، كنت حينها قد بلغت الثامنة عشرة من عمري. بقي النص منسيًا لعقدين من الزمن قبل أن أقرر إعادة النظر فيه ونشره في صورته الحالية.
لدي أيضًا تجربة أخرى غير منشورة، فخلال عصر المنتديات، قبل ظهور يوتيوب وانتشار المحتوى المصور، كانت المسلسلات المكتوبة على شكل حلقات شائعة جدًا. كتبت حينها مسلسلًا كوميديًا بعنوان سوبر دحيم 2001 . يدور المسلسل حول شخصية تسعى لاستخراج رخصة قيادة، لكن رحلته تتخللها مواقف اجتماعية كوميدية. كنت أنشر الحلقات أسبوعيًا في المنتديات، وكانت تلك إحدى محاولاتي في الكتابة الكوميدية”.
لماذا اخترت الكتابة الساخرة كأسلوب للتعبير؟ هل كان لديك هدف معين من اعتماد هذا الأسلوب الفكاهي في توصيل الأفكار، سواء كانت تعكس ألمًا أو أملًا، أم أنك كنت تفكر بتقديم قصة ذات مغزى للأطفال أو الكبار بأسلوب يجمع بين المتعة والعبرة؟
لكل كاتب منهجه الخاص في إيصال الرسائل والأفكار. هناك من يعتمد الأسلوب المباشر، مثل الخطب أو المقالات الصحفية التقليدية، التي تُعبر بوضوح عن الرسالة لكنها أحيانًا قد تُسبب ضيقًا للبعض أو تُتهم بتناول الأمور بشكل شخصي. وهناك من يلجأ إلى الأسلوب القصصي، كما في كتاب “كليلة ودمنة”، حيث تُروى الأفكار من خلال حكايات رمزية بشخصيات حيوانية لكنها تحمل رسائل حكيمة وإدارية وسياسية.
أما الأدب الساخر، فهو وسيلة مبتكرة تتيح للكاتب إيصال أفكاره بذكاء دون أن يُشعر القارئ بالحرج أو الضيق. مثال على ذلك المسلسل الشهير “طاش ما طاش”، الذي تناول قضايا اجتماعية متنوعة بأسلوب فكاهي ممتع، مما ساهم في طرح المواضيع بجرأة مع الحفاظ على عنصر التسلية.
هل تأثرت بأعمال ساخرة عربية أو عالمية معينة، أم استفدت بشكل عام من كل ما وصل إليك من الأدب الساخر؟
في الحقيقة، لم أتعمق كثيرًا في الأدب الساخر العالمي، ولكنني صادفت بعض المقاطع التي تخاطب الجمهور بأسلوب فكاهي. من أبرز الأمثلة قصة “عقلان”، التي تناولت الفرق بين دماغ الرجل ودماغ المرأة بأسلوب ساخر جعل الجمهور، رجالًا ونساءً، يضحكون دون شعور بالضيق أو الحرج.
أما بالنسبة للأدب العربي، فقد تأثرت بعدد من الكتاب، مثل الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي أبدع في كتابة الروايات والأعمال الساخرة. وفي الخليج العربي، يندر وجود أدباء ساخرين، لكن من بين الأسماء البارزة كاتب “شغب”، الذي كتب أيضًا نصوص مسلسل “مسامير”، ورغم أن أعماله ليست بالكامل أدبًا ساخرًا، إلا أنها تحمل ملامح منه.
ومن الكتاب العرب، تأثرت بالمصري علي سالم، مؤلف كتاب “هل لديك أقوال أخرى” ومسرحية “مدرسة المشاغبين”، والتي تعد من أبرز الأعمال الساخرة.
كذلك لفت انتباهي الكاتب الكويتي إبراهيم دشتي وكتابه “المديرة والدرويش”، الذي كان مميزا للغاية وقد تواصلت به في فترة من الفترات وشعرت بتشابه كبير بيننا، سواء من حيث الأسلوب أو الخلفية الخليجية، وتفاجأت بوجود صلة قرابة بيننا تعود إلى أصول أحسائية.
يعد كتاب (الشيخ أبوطميطة الحساوي) من الأدب الأحسائي، فما هو الرمز الرئيس وراء اختيارك هذا الاسم ليكون عنوانًا لكتابك؟
عندما تواجهك مشكلة، غالبًا ما تلجأ إلى شيخ القبيلة لحلها. ومن هنا، تخيلت شخصية “شيخ القبيلة” الذي يلتف حوله أفرادها ليحل مشاكلهم، وجعلت “الشيخ أبو طميطة” رمزًا لحل القضايا الاجتماعية. هذا الاسم مستوحى من طبخة المندي الأحسائية، التي تتكون من الأرز مع اللحم أو الدجاج وقطع الطماطم المنثورة.
تخيّلت مشهدًا لشخصين يتشاجران على أمر تافه، فيجتمعان لدى الشيخ أبو طميطة الذي يقدم لهما العشاء، وتحديدًا وجبة المندي، كرمز للتشارك والمصالحة. فالمندي في الثقافة الأحسائية وجبة اجتماعية بامتياز، لا تُعد لفرد واحد، بل يجتمع عليها الجميع، وتتميز بروح التشارك من بداية التحضير إلى لحظة التقديم. هذه الوجبة تجبر الناس على التعاون، حيث يعمل الجميع معًا، بدءًا من تحضيرها ووضعها في الحفرة، وحتى إخراجها وتناولها.
رمزية المندي تعكس جمال الاجتماع على هدف مشترك، مما يساهم في تصفية القلوب وحل الخلافات، وهو ما أردت التعبير عنه من خلال شخصية “الشيخ أبو طميطة”.
هل “الشيخ أبو طميطة” يمثل نقدًا لظواهر اجتماعية معينة، أم أنه يكتفي بحل المشكلات عبر التجمعات؟
“الشيخ أبو طميطة” يركز على حل المشكلات. إذا تأملت الحالات الواردة في الكتاب، ستجد تناولًا لبعض الظواهر الاجتماعية السلبية، حيث يتمحور الحل حول شخصية “أبو طميطة”، فهو يمثل ظاهرة اجتماعية إيجابية تجمع القلوب وتصفّي النفوس، ليصبح أشبه بطبيب يرضي الجميع ويعيد التوازن للعلاقات الاجتماعية.
كيف تسهم الرموز الساخرة في تعزيز الرسائل التي ترغب في إيصالها؟
يفضل كثير من الناس الأسلوب غير المباشر، لذلك اخترت استخدام الرموزيات واعتمدت شخصية “الشيخ بو طميطة”لتجنب المواجهة المباشرة وللتعامل مع المشكلات بأسلوب مختلف. هذا النهج ليس جديدًا، فقد استخدمه الأنبياء وأئمة آل البيت عليهم السلام في إيصال رسائلهم. فعلى سبيل المثال، كانوا يعتمدون الأسلوب المباشر عند الدعوة لعبادة الله والهداية، وفي أحيان أخرى يلجأون إلى أسلوب غير مباشر للتعبير عن قضايا معينة، كما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله: “ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج”، وهو تعبير رمزي يعالج إحدى المشكلات المتعلقة بالحج. في ذلك الزمن لم يكن هناك ما يُعرف بالأدب الساخر بشكل واضح، لكن كانت هناك أشكال من التهكم الهادف واستخدام الرموز لمعالجة القضايا وتقديم النصح بطريقة غير مباشرة.
كيف يمكن الجمع بين الفكاهة والتاريخ في مقال مثل “آلهات مكة”؟
اتبعتُ أسلوب “التاريخ الموازي”، ليس فقط في مقال “آلهات مكة” بل في مقالات أخرى أيضًا. وأعتمد على توظيف قالب تاريخي لمعالجة قضية معاصرة، مما يضفي عنصر المفاجأة على النص. فعندما يقرأ القارئ العنوان، يظن أن الموضوع تاريخي صرف، لكن المقال يتناول قضايا حديثة مثل الغش التجاري، حيث أسقطت الفكرة على زمن الجاهلية فجعلت أبا جهل مثالًا للمستهلك، والآلهة سلعة تباع وتشترى، وأصحاب دكاكين بيع الآلهة تجار يمارسون الخداع وبلغت الفكاهة ذروتها عندما اشتكى أبو جهل من أنه عبد أحد الآلهة لثلاثة أيام دون أن يحصل على أي منفعة، رغم أن الإله كان بضمان لمدة سنتين!
هل تعتقد أن السخرية التاريخية تساعد القراء على فهم الواقع؟
السخرية التاريخية يمكن أن تكون أكثر فعالية من الأسلوب المباشر، خاصة إذا كان الكاتب يهدف إلى الابتعاد عن الموضوع بشكل غير مباشر. تناول الموضوع بشكل صريح قد يعرض الكاتب للمخاطر القانونية مثل قضايا التشهير، بينما إذا تم إسقاطه على فترات تاريخية مثل فترة الجاهلية، فإن الكاتب يحقق حماية لنفسه. إضافة إلى أن السخرية غالبًا ما تضيف عنصرًا من المرح، مما يجعل القارئ يتفاعل بشكل أكبر ويتأمل في معانيه.
أي من المقالات شعرت أنه حقق أكبر تأثير اجتماعي بين القراء؟
مقال “الشيطان يعتمر عباءة الإيمان” هو الأكثر تأثيرًا، رغم أنه ليس جزءًا من مجموعة مقالات الكتاب. يتناول المقال العبارات التي يتم تداولها على الواتساب أو في المنتديات، والتي تغلف أفكارًا شيطانية في قالب ديني. على سبيل المثال، هناك من يدعو الناس لترك الحج بحجة أن الأفضل هو زيارة الفقراء بدلاً من الطواف حول بيت الله، وهو ما يبدو وكأنه دعوة لترك عبادة هامة تحت شعار الصدقة. في الحقيقة، الحج ركن من أركان الإسلام بينما الصدقة مستحبة. كان هذا النوع من الخطاب محاطًا بتفاصيل شيطانية، رغم أنه قد يبدو منطقيًا أو دينيًا للوهلة الأولى. وقد لاقى المقال ردود فعل إيجابية بسبب أسلوبه المميز.
هل تلقيت ردود أفعال متنوعة بشأن مقالاتك التي تناولت مواضيع حساسة؟
حتى الآن، لم أتلقَ ردودًا بهذا الخصوص.
هل هناك شخصيات مستوحاة من الواقع تعتبرها نموذجًا في كتابك؟
نعم، ليس كل الشخصيات في كتابي خيالية. هناك بعض الشخصيات غير الإنسانية مثل “القروص”. وعادةً ما أتمكن من دفعه بعيدًا عني، لكن في إحدى المرات تعرضت لكسر في ساقي وإصابة في كتفي وكنت نائم في السرير، وكان القروص يتجول من حولي دون أن أستطيع تحريكه. حينها، بدأت أتساءل ماذا يريد مني هذا الكائن؟ هل سيأخذني إلى جحره لأكون غذاءً له لعشر سنوات؟ فقررت استخدام ذراعي الأخرى لابتعاده عني.
ما الشخصية الأكثر أهمية بالنسبة لك في هذا الكتاب؟ أو هل هناك شخصية ترغب في التوسع فيها في عمل مستقبلي؟
أركز على الأحداث أكثر من الشخصيات، إذ أن أدبي يعتمد على السخرية. لو كان التركيز على الشخصية فقط، كان العمل سيتحول من أدب ساخر إلى قصة قصيرة مثل “عتاوية سنة 2000” أو ربما رواية في المستقبل إذا أتيح لي ذلك.
تجربة كتابة “عتاوية سنة 2000” تختلف عن تجربة “الشيخ أبو طميطة”. ما الذي دفعك للتحول من كتابة الرواية إلى الكتابة التي تحمل نوعًا من الفكاهة؟
عندما كتبت “عتاوية سنة 2000” كنت في سن الـ18، بينما عند كتابة “أبو طميطة” مرّ على تلك اللحظة 22 عامًا. إذا رجعت بالزمن 22 عامًا، لم أكن لأتمكن من كتابة “أبو طميطة” بنفس الطريقة الحالية. في ذلك الوقت، كنت أمتلك شغفًا أكبر بكتابة القصص الطويلة والقصيرة مقارنةً بما أمتلكه الآن، وأتمنى أن أعود إلى شغفي الأول.
بالمناسبة، عند إعادة قراءة “عتاوية سنة 2000” شعرت أنني كنت أنتقد نسخة قديمة من نفسي، في حين أن أولادي استمتعوا بها كثيرًا. شعرت وكأنني لا أعرف ذلك الشخص الذي كنت عليه، وأدركت أنني ربما ظلمت نفسي.
ما الخطط المستقبلية التي تفكر فيها بعد هذا الكتاب؟
حالياً، أتناول الأدب الساخر من خلال كتابة المقالات، وعندما يتجمع عدد كافٍ منها، سأقوم بتجميعها في كتاب بإذن الله. بالإضافة إلى أنني أطمح لكتابة قصة جديدة.
ما الموقف الأكثر فكاهة في الكتاب بالنسبة لك؟
في الأدب الساخر، تكتب موقفًا مضحكًا، لكنه في الواقع قد يكون مؤلمًا جدًا بالنسبة لك، ومع ذلك يثير ضحك الآخرين. مثل قصة السيارة التي سردتها في الكتاب.
هل هناك موقف ساخر كتبته وأردت تغييره لاحقًا؟
نعم، تمنيت لو كنت قد عدلت مقال “لا للطائفية”، ورغم أنني لا أندم على كتابته، إلا أنه بعد عام من كتابته، وعند إعادة قراءته، تكونت لدي ملاحظات جديدة. كنت أتمنى لو كان العنوان “لا للتطرف”، لأن مفهوم التطرف أوسع من الطائفية. سمعت من أحدهم أنه لا يريد أن ينضم أبناؤه للحلقات الدينية خوفًا من أن يصبحوا متطرفين. التطرف ليس مرتبطًا بالدين، بل هو مرض بحد ذاته. ورغم أنني عبرت في كتابي عن الطائفية كمرض، وهذا صحيح، إلا أن مفهوم التطرف أوسع، ومع ذلك يبقى التطرف الديني أخطر أنواع التطرف، خاصةً عندما يتعرض الفرد للإقصاء والضغط الاجتماعي بسبب معتقدات دينية، فليس من حق أحد أن يقصي الآخر، رغم أنه من حق كل شخص أن يختلف معه في بعض القناعات والأفكار والعقائد.
هل هناك مواقف ساخرة في الكتاب تبدو مأساوية؟
هناك مقال بعنوان (أحسن الله عزاكم)، وهو تعبير يستخدم في التعازي. جاء هذا المقال نتيجة موقف استفزني في بعض الفواتح، فقررت تناوله بأسلوب ساخر. على الرغم من أن الموضوع فكاهي ويثير الضحك، إلا أنه قد لا يثير الضحك لدى الجميع بسبب طبيعته المأساوية، وهو ما يمكن اعتباره “كوميديا سوداء”.
هل الأقلام الضاحكة، سواء كانت شعرًا أو نثرًا، وليدة معاناة؟ أم أنها تهدف للعظة والعبرة بأسلوب الضحك؟
من الممكن أن تجمع الكتابات بين الأمرين؛ فقد تكون بعضها وليدة الألم، بينما البعض الآخر قد يكون لتحذير من مواقف معينة. عادة، النفس البشرية لا تتقبل النصائح بشكل مباشر، ولكن قد يختلف الأمر إذا تم تقديم الحادثة بشكل عام دون توجيهها لشخص بعينه، مع تضمين بعض الخيال لإيصال فكرة معينة دون ارتباطها بالواقع.
ما هو أطرف تعليق تلقيته من قراء الكتاب؟ هل ظن البعض أنه كتاب طبخ؟
أكثر ما أقلقني عندما قررت أن أسمي الكتاب بـ “الشيخ أبو طميطة الحساوي” وأن يكون غلافه يحتوي على صورة مندي، هو أن يتصور البعض أنه كتاب طبخ. لذلك طلبت من المصمم أن يقدم التصميم بطريقة توضح أن الكتاب ليس كتابًا للطهي. وإذا ظن بعض القراء أنه كتاب طبخ، فلا مشكلة في ذلك، لأنني وضحت في أحد النصوص طريقة تحضير المندي. وقد طلبت من المصمم أيضًا أن يبرز عناوين المقالات على الغلاف بطريقة تشبه تصميم فيلم سينمائي ليفهم القارئ أن الكتاب يحتوي على محتوى مختلف عن مجرد وصفات طعام.
هل لاحظت فرق بين تفاعل القارئ الخليجي مع الكتاب وتفاعل القارئ العربي؟
لا أستطيع التعليق بشكل دقيق لأن التجربة لم تكتمل بعد، حيث لم يحقق الكتاب الانتشار الواسع بعد. لكنني أعتقد أن المحتوى قد يجذب القارئ الخليجي أكثر من القارئ العربي بشكل عام، خاصة وأن اللهجة الحساوية جزء بارز في الكتاب، وقد يكون هذا الاعتقاد غير دقيق.
ما هي أغرب تجربة تواصل مع قارئ تلقيتها بعد نشر الكتاب؟
تواصل معي أحد الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي محاولًا أن يناقشني بأسلوب مختلف عن أسلوبي في الكتابة. استمتعت بالتفاعل معه، لكنه يبدو أنه لم يكن راضيًا عن ما كتبته، وربما ظن أنه كان موجّهًا إليه بشكل شخصي.
ما رأيك بالأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم بشكل ساخر أو مستهزئ بعقول الآخرين سواء كانوا يعرفونهم أم لا؟
هناك فرق بين السخرية والاستهزاء، والسؤال هنا أقرب للاستهزاء الذي يتجه إلى الشخصنة، مثل السخرية من المظهر أو الملابس بدلًا من مناقشة المضمون. أما السخرية فهي غالبًا موجهة إلى قضايا أو حالات معينة، مثل السخرية من الحب. على سبيل المثال، إذا سألتك عن حبك لزوجتك مقارنة بحبك للدجاج، قد يبدو هذا ساخرًا، لكنه ليس إساءة شخصية.
هناك من الناس من لا يتعدى حبهم لزوجاتهم حبهم لدجاجة مشوية، أو كما لا يتجاوز نظرة الديك للدجاجة التي يراها مجرد كائن يتبعه ويبيض. وهناك نساء لا يتعدى نظرهن لأزواجهن نظرة الدجاجة للديك، التي تراها كائنًا يصيح صباحًا ثم يذهب للعمل ليعود متعبًا. في مثل هذه العلاقة، تنعدم المودة بين الزوجين، وهذا يوضح الفرق بين الحب الحقيقي والحب الجسدي. هل تناول مثل هذا الموضوع يعتبر استهزاء أو إساءة شخصية؟ لا، بل نطرحه بشكل ساخر دون توجيه أي هجوم شخصي.
هل حاول إبراهيم التعرف على كتّاب المنطقة والتفاعل معهم من خلال حضور اجتماعاتهم، الملتقيات، أو الانضمام إلى منتدياتهم والاندماج في أفكارهم؟ أم أنه اكتفى بتطبيق أفكاره الشخصية؟
في هذا السياق، كانت مجموعات تطبيق الواتساب، مثل “آراء وأصداء”، هي التي قدمت لي الفرصة للتعرف عليهم. من خلال هذه المجموعة، شعرت بالإعجاب لما يتم تناوله من مشاركات، حتى أصبحت جزءاً من هذا النشاط، مما أتاح لي الاستفادة من تفاعل الشباب.
ما هي النصائح التي تقدمها لمن يمتلك أفكارًا لكنه لا يكتبها؟
أقول له ابدأ بالكتابة فقط، ليس من الضروري أن تنشر ما تكتبه، ولكن قم بتفريغ أفكارك على الورق بأي شكل كان، ولا تلتزم بالقواعد الصارمة للكتابة. اكتب حتى مع وجود الأخطاء الإملائية والنحوية. عندما كتبت كتاب *”عتاوية في عام 2000*، قمت بإخفائه في الدرج رغم أنه كان جيداً بالنسبة لإخوتي وأخواتي في ذلك الوقت. لكنني أخفيته لسنوات، فمن الأفضل أن يعرض الكاتب عمله على محيطه، وهذا ما فعلته مع كتاب “عتاوية”، حيث عرضته على أبنائي وأصدقائي، ثم توسعت في دائرة النقاش مع كاتبين هما جعفر عمران والأستاذة رباب النمر. قدم لي جعفر ملاحظات استفدت منها، بينما قرأت الأستاذة رباب الكتاب كاملاً ووجهتني لتوسيع بعض النقاط وتعديل أخرى، وهذه هي الخطوة التي شجعتني على نشر الكتاب ولولا هذه الخطوة، لما قررت طباعة الكتاب. لذلك، لا تتردد في الكتابة، حتى وإن سمعت النقد، فهو مفيد لتطوير عملك وتجاوز أخطائك. تقبل النقد يعزز عملك الكتابي، تماماً كما يحدث مع التمارين الرياضية التي تعزز من مرونة العضلات مع التكرار والتصحيح من المدرب.
ما الرسالة التي تود إيصالها للجمهور لتلقي هذا النوع من الأدب الفكاهي؟
في السنوات الأخيرة، أصبح الجمهور يميل إلى تلقي المحتوى الفكاهي عبر الوسائط المرئية والمسموعة مثل مقاطع انستقرام، والتي قد تحتوي على محتوى سطحي أو سخيف. هناك أيضًا محتوى يتخذ شكل كاريكاتير أو عروض ستاند آب كوميدي. لكن من المهم أن يُمنح الكاتب الفكاهي الفرصة للتعبير عن أفكاره بطريقة مكتوبة على الورق، بدلاً من فرض ضرورة تحويل كل عمل مكتوب إلى مادة مرئية. على سبيل المثال، كتاب “شغب” الذي تحول إلى مسلسل “مسامير” هو مثال جيد لهذا التحول، ولكن ليس كل كاتب فكاهي ممكن أن يحصل على فرصة لتقديم عمله بهذا الشكل. لذا، كما يُعطى الوقت والمكان للمحتوى المرئي، يجب أن يُمنح الكاتب الفكاهي الفرصة للوصول إلى جمهوره من خلال الكتابة.
هل تعتقد أن مشاهير السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي تساهم في ترقية الكتاب أو شهرته؟ وهل هذا ما يرغب به الكاتب؟
بعض مشاهير السوشيال ميديا هم مبدعون ويستطيعون تقديم أفكار مبتكرة، بينما آخرون قد يسيئون تقديم الأعمال بشكل مبتذل. يشبه ذلك نشر مقال في جريدة قد تقوم بتعديل محتواه بما يتماشى مع رؤيتها الخاصة، ما يؤدي إلى تحريف الفكرة الأصلية. فبينما يمكن لبعض المشاهير أن يساهموا في تعزيز عملك، إلا أن آخرين قد يُحرفون فكرتك ويضعفون تأثيرها.
هل على الكاتب أن يظهر نفسه؟
من يسعى وراء الثراء والشهرة يحب الظهور، بينما الكاتب الخجول لا يولي الظهور اهتمامًا. لقد تغير وضع الكاتب اليوم مقارنةً بما كان عليه قبل ثلاثين عامًا، حيث كان الناس يحرصون على القراءة. أما الآن، فنعيش في عصر مليء بالمعلومات، حيث قد يتكاسل المتلقي عن قراءة قصة قصيرة أو متابعة محتوى عبر رابط، مما يجعل وضع الكتاب صعبًا جدًا مقارنة بالماضي. في حين أن المتلقي قد لا يتردد في مشاهدة مقطع على تيك توك، إلا أنه لا يبذل وقتًا لقراءة ملف (PDF).
هل يؤمن إبراهيم بالنشر الاجتماعي وتحويل الكتاب إلى نموذج إلكتروني؟
نعم، فقد بدأت الكتب الإلكترونية في الانتشار، لكن المجتمع الخليجي لم يتوجه بشكل كبير نحوها. من ناحية أخرى، لم يعد المتلقي الأجنبي يشتري الكتب الورقية، وهناك تطبيقات مخصصة للكتب الإلكترونية تحظى بشعبية كبيرة. ومع ذلك، لا يزال سوق الكتب الإلكترونية المحلي دون المستوى المطلوب، ولا يزال المحتوى المرئي والمسموع أكثر جذبًا من المحتوى المقروء.
كان اللقاء بين أحمد وإبراهيم غنيًا وخفيف الظل.