أصبحت العربية ظمأى، فمن يرويها ؟
مهدي بن عمران المبروك
أكد الأديب الشاعر، زكي السالم في مقدمة كتابه “يوميات من أدب الرحلات” على ميل النفس البشرية للبحث والتنقيب عن كنه هذا الوجود من خلال التحليق في السماء ومخر البحار والسير في الأرض وما أدب الرحلات إلا متعة روحية للسير والسفر قراءة وخيالا وعمقا. وهنا أنقل شذرات خاطفة من يوميات السالم.
أقتصر السالم في يومياته الفكاهية الساخرة على بلدان خمسة فقط رغم كثرة رحلاته السياحية والأدبية حول العالم. استفتحها برحلة فيروزية إلى بيروت التي لا تعرف الانحناء، حيث حاكى راقصة البالية وخاض غمرات السفر بصحبة صديق لدود ومجاورة شيخ الذبان وصولا لحرارة اللقاء ودفء المشاعر والسر الذي لايُكشف !
وفي محطته الثانية، يمم السالم فؤاده تلقاء كازبلانكا البيضاء ومراكش الحمراء وما بينهما من فسيفساء في رحلة بطوطية حتى بلغ الزاوية الرحالية فتجلى كرم سيدي بهلول وسط صحراء المغرب وكثبانها الرملية المتموجة كخصر غجرية سمراء.
وفي أثناء رحلاته، لا يفارق السالم جده الجواهري وصديقه الحليوة قباني وزميله العزيز شوقي ويستأنس بين الرحلة والرحلة بالشريف الرضي وأبي العتاهية وغيرهم من كبار الأدباء. كما أنه لا يحرم القارئ من جميل أبياته ولطيف مفرداته الحساوية.
يزمّ السالم حقائبه بعد أن غُلب على أمره ليرحل إلى ماليزيا فيتنعم بين غاباتها الخضراء وتنتابه القشعريرة في باطنها بعد أن كان الكنغر عونا له للطيران فوق المحيط بسرعة فائقة وبرودة صاقعة لتعود أزمات الطائرة المتناقضة مرة أخرى من قرار الصلاة إلى الحق المقدس مرورا براقصة البالية الروسية !
وفي يومياته التركية، يعبر السالم في ليلة العيد إلى الأتراك من خلال الآذاريين بصحبة المتنبي العظيم وقد أبتلي في رحلته بقوم لا يفقهون اللغة الحساوية ! ولكنه رغم العقبات، يمخر عباب البحر والبسفور ويتنقل بين الأشجار والمياه برفقة وجوه حسنة فتانة أبهرت الأتراك و”الجديد في تركيا كثير، والغريب أكثر، والمثير لا تنقضي عجائبه”.
وختم السالم يومياته الخمس، بحط الرحال في القاهرة ليدخل الهرم الأحمر ويعيش الأحساء بمصر بعد نزول صاعقة الجمعة فيختزل الأسبوعين في ثلاثة أيام ليبكي وجعا ويغضب حنقا وينتشي فرحا بالاسكندرية فشرم الشيخ أبرهة الحبشي!
جدير بالذكر أن يوميات من أدب الرحلات كتب ليروي ظمأ المكتبة العربية فهذا الفن من الأدب “قل طارقوه هذه الأيام وشاح عنه كثير من الكتاب… فإن أعجبتك هذه الشذرات، فأقرأ (يوميات السالم) مرات عدة فربما غيرت رأيك وإن لم تعجبك فاقرأها مرة أخرى فربما غيرت رأيك”.