اكتساب السلوك في عصر الصراع الرقمي
بقلم: أمير الصالح
مع بزوغ فجر الصراع في عالم السيطرة على تكنولوجيا المعلومات و تطبيقات منصات النت مثل الشات GPT متمثلة في سباق صناع التقنية الرقمية الغربية و صناع التقنية الرقمية الصينية ببزوغ نجم deepseek ، حتماً سيزيد تسارع حرب الخدمات و العروض المغرية للخدمات و تحطيم الأسعار و جذب الإعلانات التسويقية على المنصات الرقمية لهذا الطرف أو ذاك.
وحتماً سيزيد عدد ضحايا الإنغماس و الإدمان للتطبيقات والمنصات و محركات تشغيل النت نتيجة انطلاق موجة تسابق عالمية جديدة في العالم الرقمي السيراني للاستحواذ على أكبر عدد من المستهلكين والجد في زيادة عدد مشاهدي المقاطع و الأفكار والصور و الايدلوجيات المصاغة بالصوت و الصورة في الفضاء الرقمي في مراحله الأولية والتي مع زيادة التسارع ستحدث صياغة سلوكيات جديدة و قناعات غير معهودة في أوساط اجتماعية محافظة.
وقد سلط عالم الأخبار و الأموال الضوء على أصداء بزوغ تطبييق deepseek ، المارد الصيني، وذلك من ناحية الخسائر المالية التي تكبدتها الشركات الأمريكية و لم يسلط الضوء على ما بعد اشتعال سباق التقنية على التربية و السلوك للمجتمعات المحافظة المستهلكة لتلكم المنتجات التقنية.
إن محاكاة التصرفات و الأقوال من الأفراد بمن يتأثرون بهم هي من أهم عوامل اكتساب السلوك عند الاغلب في المراحل العمرية المختلفة.
فالطفل الصغير مثلاً يكتسب معظم سلوكياته البشرية من خلال تقليد ذويه لا سيما والديه؛ والمراهق يكتسب بعض سلوكه و قناعاته من خلال تقليد أحد أصدقاءه أو أحد المشاهير الذين يفضلهم و يستمع لهم.
كذلك البعض من المتقاعدين ينجرف تحت ضغط الخوف من الوحدة و ينظم و يساير بعض قرناءه في القراءات و المفاكهات و السفر و السياحة فضلا عن تقليد بعض سلوكياتهم من صبغ الشعر والتردد على المقاهي في المولات و أمور اخرى .هذا لا يعني بالضرورة أننا معجبون بهذا السلوك أو ذاك، أو ناقمون عليه أو مقتنعون به؛ فقد يكون السلوك و الطرح الذي يجاهر به أحدهم مغايراً تماماً لما تربينا عليه.
و قد يكون هناك دوافع أخرى تجعلنا نقلد هذا السلوك أو ذاك ونحاكيه. و منها دوافع تتصل برغبة الاندماج و الانتماء و مشاعر التنافس وضغوط الأقران.
بالمحصلة فإن نسبة التأثر متفاوتة و لكن لا حصانة لأحد إن لم يكن الشخص جبل في قناعاته و رقيب حصيف على سلوكه وأقواله و مشاهداته و فطن في انتقاء أصدقاءه و قرناءه.
إن لوغريثميات الحواسيب والاجهزة الذكية قد تطورت بدرجة مذهلة وأضحت أداه فعالة في استنزاف هرمونات الإنسان المختلفة و على رأسها هرمون السعادة و كذلك في السيطرة على الإنسان بكل أبعاده.
فنرى ونشاهد اندماج عدد غفير من الشباب و الفتيات في عروض و مقاطع فيديو و دراما مسلسلات حد الإدمان للشاشة الفضية و الذهبية و الرقمية و تقليد تقليعات بطل أو بطلة الفيلم . و من المشاهد أنه بعد حين من الانغماس في أي اتجاه في العالم الرقمي يتفتت الاحساس للمشاهد أو ينمو ويتحول البعض من ناقدٍ إلى مجرب و لاحقا ممارس لسلوك يراه في النت !!
فالبعض بسبب وجود هشاشة فكرية و تربوية ينجرف للحضيض و البعض الاخر بسبب وجود حس فكري نابض بالحياة و النقد البنّاء و التقوى لله يسمو فكراً وقلماً وسلوكا.
تربوياً، وعلى مدى الأزمنة، كان وسيكون العبء كبير والمهمات متعددة على الوالدين في مضمار تربية الأبناء لاسيما في زمن أصبح المشاهير مربٍ ثالثٍ للإبن .
لكن الأبوان الواعيان يمارسان أقصى نقاط الانضباط لكسب معركة التربية لأبناءهم والتطلع أن تكون الجائزة من الله هي الجنة.
للبعض من الناس نرى أن خاصية تربية النفس أضحت في مهب الريح بسبب إدمان مشاهدة مقاطع مخلة ومجالسة أصدقاء السوء و التأثر بأفكار و تفسيرات أيدلوجية منمقة و تبريرات مشوشة روج و يروج لها مؤثرون على صفحات التواصل الاجتماعي والإعلام الأجنبي ومنتحلي لقب المفكرون.
ونرى أشخاص آخرين بحمد الله لديهم خاصية تربية النفس في أعلى مرتبة و السعي الدائم في تنامي سعة الإدراك و حسن الانتقاء لما يسمعونه و يرونه ويجلسون معه ويتاثرون به.
مطلب قديم جديد نصّت عليه الرسائل السماوية وهو عقد مراجعة ذاتية بشكل دوري لأنفسنا و سلوكياتنا وأقوالنا و نظراتنا و جلسائنا و أصدقاؤنا و توقعاتنا والتدقيق عما صدر منا وانتقاء ما نسمع و نشاهد سعياً منا لما يرفع مستوى إنسانيتنا و التصرف بما يحاكي أخلاق الصالحين.