المهندس سعيد آل مبارك.. الأسماء قد تُنسى،فمن يظل حاضرًا في الذاكرة هو صاحب الأثر الحقيقي

زينب المطاوعة : الدمام
ضمن سلسلة المحاضرات التي ينظمها المجلس، نظّم مجلس الزهراء الثقافي يوم الاثنين الماضي، محاضرة مجتمعية بعنوان “تحدَّ الواقع واترك أثرك”، قدّمها المهندس سعيد آل مبارك.
تناولت المحاضرة عدة محاور رئيسية، من بينها: فهم أنواع الشخصيات، التفكير خارج الحدود، قوة التفكير الجماعي، تكامل الاختلافات، وعوامل نجاح الأعمال، إضافةً إلى استعراض قصص تحفيزية ملهمة.
واستهلّ المهندس آل مبارك حديثه بالإشارة إلى تجربة الجمعية التي تمكّنت من توفير مليوني ريال، وذلك عبر إعادة النظر في أساليب تقديم الخدمات والمعونات، مع الحفاظ على جوهر الخدمة والفئة المستفيدة، حيث تم تغيير الطريقة وليس الهدف، مما أحدث فرقًا كبيرًا وملموسًا.
كما طرح تساؤلًا على الحضور حول مصادر الأفكار ومن أين تأتي، مشيرًا إلى أن هذه المصادر تختلف من شخص لآخر، لكنها غالبًا ما تشمل الوالدين، الأصدقاء، المدرسة، والبيئة الاجتماعية. ومع ذلك، شدّد على أن هناك مصدرًا أساسيًا غالبًا ما يتم إغفاله، وهو الشخص نفسه، إذ يلعب الفرد الدور الأهم في تشكيل أفكاره، وليس فقط ما يكتسبه من الآخرين.
وأشار إلى أن العديد من المعتقدات والأفكار تُنقل عبر الأجيال، متسائلًا: هل توقفنا يومًا للتفكير فيها بعمق؟ هل بحثنا عنها واختبرناها، أم أننا نكررها دون اقتناعٍ حقيقي؟
وتابع موضحًا أن البعض يستند إلى مقولة: “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، مشيرًا إلى أن هذه الحجة لم تُقبل حتى من كفار قريش، فلماذا نقبلها نحن؟ وأكد أن التحدي الحقيقي يكمن في إعادة تقييم الأفكار والمعتقدات، بحيث يتمسك بها الفرد عن قناعة نابعة من البحث والتمحيص، وليس لمجرد أنها موروثة دون تفكير.
ثم تطرق آل مبارك إلى أنواع الشخصيات التي تؤثر في المجتمع التي من بينها: القائد، المبدع، الخبير، المتسلط، الحكيم، المراقب، الجندي، والتابع، وأوضح أن البعض يختار أن يكون تابعًا لمجرد أنه يكرر ما وجد عليه آباءه دون أم يسأل نفسه: هل هذا هو الخيار الصحيح؟
وطرح سؤالًا على الحضور: كم عدد سكان الصين؟ كم عدد سكان الأرض اليوم؟ كم عدد البشر الذين عاشوا على الأرض منذ بداية التاريخ؟ مشيرًا إلى أنه إذا نظرنا إلى العدد بشكل تراكمي، فقد عاش ومات على الأرض ما يقارب العدد الموجود اليوم أو أكثر، لكن كم شخصًا منهم نعرف؟
وأكد أن الأسماء قد تُنسى، لكن الأثر يبقى،فمن يظل حاضرًا في الذاكرة هو صاحب الأثر الحقيقي.
وأستشهد آل مبارك بشخصيات رحلت لكنها تركت أثرًا خالدًا في التاريخ، مثل أينشتاين، أديسون، نيوتن، جيمس وات، الخوارزمي، ابن سينا، وعباس بن فرناس. وأوضح أن أثر هؤلاء امتد لقرون، حتى وإن لم يكن الجميع يعرف أسماءهم، إلا أن إنجازاتهم لا تزال تؤثر في حياتنا اليوم.
كما تناول صفات القائد الحقيقي، مشيرًا إلى أن من أبرزها: المعرفة، الحكمة، التأثير، الإقناع، الصبر، الإلهام، الرؤية، والقدرة على اتخاذ القرار.
وشدد على أن أهم ما يميز القائد الناجح هو رغبته في صناعة قادة آخرين، فهو لا يخشى أن يكون هناك من يتفوق عليه، بل يشعر بالفخر عندما يرى نجاح الآخرين بفضله.
وفي هذا السياق، عرض المحاضر صورًا رمزية تقارن بين الخير، المتمثل في الإنسان، والشر، المتمثل في إبليس، مؤكدًا أن القائد الحقيقي ليس فقط من يمتلك الصفات القيادية، بل من يستخدمها في الخير. واستشهد بالبيت الشعري الشهير: “لو كان في العلم من دون التقى شرفٌ… لكان أشرفُ خلق الله إبليسُ”
بعد ذلك، قدم أمثلة متعددة توضح أهمية الخبرة في الحياة، مؤكدًا أن الأمر لا يتعلق فقط بمعرفة كيفية العمل، بل بفهم متى وأين يجب التصرف بالشكل الصحيح. كما أشار إلى أن الإبداع ليس حكرًا على أشخاص معينين، بل هو قدرة يمتلكها الجميع، لكن البعض يتردد في النظر إلى الأمور من زوايا مختلفة.
ومن ثم تناول مفهوم التسلّط والتبعية، موضحًا أن التسلّط ليس مجرد فعل من طرف واحد، بل علاقة بين شخص يفرض سيطرته وآخر يقبل بها. وتحدث عن أهمية توسيع الأفق والمعرفة، حيث يؤدي المنظور المحدود إلى رؤية غير مكتملة للأحداث، بينما يساعد التفكير العميق على استخلاص معانٍ أعمق حتى من المواقف الصعبة.
وشدد على ضرورة التفكير المستقل وعدم الاكتفاء بدور التابع أو المتفرج، داعيًا الحضور إلى طرح الأسئلة، النقاش، واتخاذ القرارات بناءً على رؤيتهم الخاصة، وليس فقط وفقًا لما يُملى عليهم.
وأكد أن الحياة عبارة عن سلسلة من التجارب والتطورات، وأن كل لحظة تمثل فرصة جديدة للتعلم. كما شدد على أهمية عدم اتباع العادات دون تفكير أو العيش في الماضي، بل التركيز على المستقبل والاستفادة من دروس الحياة لبناء مستقبل أفضل للفرد والمجتمع.
بعد ذلك، انتقل إلى محور التكامل في الاختلاف، موضحًا أن البشر يختلفون في قدراتهم الفكرية والجسدية، وهذه الاختلافات لا تشكل عائقًا، بل تكمل بعضهم البعض. كما أشار إلى ضرورة عدم تقييم الجميع بنفس المقياس، لأن كل شخص يمتلك قدرات فريدة، مؤكدًا أن الاختبار الحقيقي يكمن في مواجهة التحديات التي تناسب إمكانيات كل فرد.
وتطرق الـ مبارك إلى أنواع المحفزات التي تؤثر على الأفراد، موضحًا أنها تنقسم إلى أربعة أنواع رئيسية:
وهي المحفزات العقلانية التي تدفع الأفراد لاتخاذ قرارات جيدة، مثل الإقلاع عن التدخين أو اتباع نمط غذائي صحي.
والمحفزات غير العقلانية التي تعتمد على التلاعب بالعواطف بدلًا من المنطق.
المحفزات التشجيعية التي تحفز الأفراد على القيام بعمل معين من خلال ربطه بمكافأة.
المحفزات التثبيطية والتخويفية التي تقلل من الدافع تجاه القيام بشيء ما بسبب الخوف أو التردد.
بعد ذلك، طرح سؤالًا جديدًا على الحضور: “من يريد التغيير؟”، مشيرًا إلى أن الكثيرين يتحدثون عن الحاجة إلى التغيير، سواء كان ذلك في تحسين البنية التحتية، أو تطوير المناهج التعليمية. لكنه أكد أن التغيير الحقيقي لا يحدث إلا من خلال قلة من الأشخاص الذين يسعون إليه بجدية.
وأوضح أن دوافع التغيير تختلف من شخص لآخر، فقد يكون التغيير مدفوعًا بالعاطفة، أو بالاستسلام للواقع، أو بالتفاؤل والثقة، أو حتى بسبب نقص المعلومات.
ومن ثم تناول مفهوم النجاح، موضحًا أنه لا يقتصر على جانب واحد، بل قد يكون في الصحة الجيدة، الأسرة السعيدة، تحقيق الأهداف الشخصية، أو الإنجازات المهنية. وأكد أنه لا يوجد طريق مستقيم للنجاح، بل إن الصعوبات والتحديات هي التي تصقل شخصية الفرد وتجعله أقوى وأكثر خبرة.
ومن ثم استعرض عوامل النجاح، والتي تشمل:
• العلم والمعرفة كأساس لأي إنجاز.
• الوعي بالخير والشر لاتخاذ القرارات الصائبة.
• الرعاية والاهتمام بالمسؤولية لضمان استمرارية النجاح.
• تحديد الهدف ورسم الخطط للوصول إليه بوضوح.
• الاستمرارية والمثابرة في مواجهة التحديات.
واستشهد بثورة الإمام الحسين (عليه السلام) كمثال على النجاح الذي يمتد أثره عبر الزمن، مشيرًا إلى أنها قد لا تكون حققت نتائجها المباشرة في حينها، لكنها أثرت بعمق على الأجيال اللاحقة، مما يجعلها نموذجًا للنجاح بعيد المدى.
وفي المحور الأخير تكلم عن أنواع العقول واحجامها: فالعقول الصغيرةهي التي تتحدث عن الأشخاص، والعقول المتوسطة تتحدث عن الأحداث، والعقول العظيمة تتحدث عن الأفكار والمبادئ، وما نحن إلا مزيج من هذه العقول، ولذا يُفضل التركيز على الفكر والأفكار بدلًا من الأشخاص أو الأحداث نفسها، وبدون العلم والمعرفة لا يمكننا فهم الواقع بشكل صحيح أو ترك أثر دائم، وإذا أردنا أن نؤثر في العالم يجب أن نعمل بالوعي الكامل ونسعى لأن نكون مستمرين في تعلمنا وفي العمل الصالح.