في يوم التأسيس السعودي.. بين وطنٍ أول ووطنٍ احتواني

مرڤت أبو العينين
ما هو الوطن؟ هل هو مجرد بقعة جغرافية على سطح الأرض، أم أنه شيء أعمق يسكن الإنسان أكثر مما يسكنه الإنسان؟ هذا السؤال يلازمني كفلسطينية، ابنةُ والدٍ هُجِّر قسرًا من أرضه، تمامًا كما هُجِّر جدي من قبله، فوجدوا في دول الجوار ملجأً وملاذًا، حملوا معهم مفاتيح بيوتهم القديمة، لكنهم صنعوا بيوتًا جديدةً في أماكن أخرى.
وُلدتُ في الرياض، المدينة التي لم تكن مجرد محطة عبور، بل أصبحت وطنًا آخر في روحي. السعودية لم تكن لنا مجرد دولة، بل كانت بيتًا واسعًا، يجمع تحت سقفه الملايين من جنسياتٍ مختلفة، ومنهم الفلسطينيون الذين وجدوا فيها الأمان والعمل والاستقرار. لم نشعر يومًا بالغربة، لأن الدفءَ الذي لمسناه في كل زاوية منحنا وطنًا ثانيًا، يحتوينا حين يرهقنا الحنين، ويمنحنا معنى جديدًا للوطن، ليس على شكل خريطة، بل في صورة احتضان كريم.
كفلسطينية، لا تغيب عني فلسطين لحظة، فهي تسكنني كما أسكنها. لكنها ليست وحدها من شكلت هويتي، فالسعودية أيضًا جزءٌ مني، في لهجتي التي اكتسبتُ منها كلماتٍ وعبارات، في احتفالي بيوم التأسيس، في أصدقائي الذين أصبحوا عائلتي، في العادات التي أصبحت جزءًا من يومي. أنتمي إلى فلسطين بروحي، وإلى السعودية بذكرياتي وحاضري، وفي داخلي امتنانٌ عميقٌ لهذا الوطن الذي منحني مساحةً للحلم والعيش بكرامة.
أدركتُ أن الوطن ليس مجرد حدود، بل هو الشعور بالأمان، القدرة على تكوين الذكريات دون خوف، الانتماء للمكان الذي يعطينا أكثر مما يأخذ منا. وكما تحمل السعودية حب الفلسطينيين في قلبها، فإن الفلسطينيين يحملون حبها في قلوبهم، كجسرٍ إنساني يجمع بين الشعوب، بعيدًا عن السياسة والحدود، علاقة قائمة على العطاء المتبادل، حيث لم يكن الفلسطيني يومًا غريبًا على هذه الأرض، بل كان جزءًا من نسيجها الاجتماعي والثقافي.
في يوم التأسيس السعودي، أحتفل لا كزائرةٍ أو ضيفة، بل كابنةٍ لهذه الأرض التي احتضنتني كما احتضنت غيري. فلسطين وطني الأول، والسعودية وطني الذي عشتُ فيه، وبينهما يسكن قلبي، ممتنًا لوطنٍ حملني حين حملتُ قضيتي، واحتضنني حين حملتُ حنيني.