أقلام

لعبة الفهد الحلقة الثانية: الحصون لا تُهدم بجرافة

ابراهيم الرمضان

تحت شمس الظهيرة الحارقة، وقف رجل يرتدي زيَّ موظفي الحراسات الأمنية عند حافة الرصيف، رافعًا يده كل بضع دقائق متأملًا في السيارات المسرعة التي تمر دون أن تلقي له بالًا، بشرته السمراء توحي بأنه اعتاد الوقوف لساعات طوال تحت أشعة الشمس، أما ملامحه المرهقة فتفضح معاناته مع الحياة. فلم يكن نحيفًا ولا سمينًا، بل يملك جسدًا متوسط البنية مع كرشٍ خفيف، وكأنه يجمع بين نحافة العاملين وكسل المترفين في آنٍ واحد!

في تلك اللحظة، توقفت سيارة أخيرًا بجانبه، لينظر داخلها سريعًا قبل أن ينحني قليلًا لركوب السيارة مغلقًا الباب خلفه بحذر، انطلقت السيارة تشق الطريق، بينما أطلق الرجل زفرة راحة، مستندًا إلى المقعد وكأنه تخلص لتوّه من عبء الوقوف تحت الشمس، مرّت لحظات من الصمت، لا يُسمع فيها سوى صوت المحرك وضجيج الشارع من حولهما، قبل أن يقرر كسر الجمود قائلًا للسائق:

– شكرًا على تلطفك بإيقاف سيارتك والسماح لي بالركوب، مضى وقت طويل وأنا أنتظر رافعًا يدي عند الشارع.

– لا بأس، كنت في طريقي. إذا أردت الحقيقة، فإني لا أقف لأحد أبدًا، ولكني رأيتك مرتديًا زي موظفي الحراسات الأمنية وأدركت أنك مواطن مثلي.

– نعم، ليت هناك الكثيرين أمثالك. بقي على دوامي خمس دقائق وكدت أتأخر، سامح الله من كان السبب.

-خير يا…، هلا عرفتني باسمك؟

-أنا؟ اسمي خالد.

-خير يا خالد، أتمنى ألا تكون مشكلتك كبيرة.

-نعم، أنا توظفت في بداية الشهر الحالي فقط، ولسوء الحظ، تعرضت قبل أيام لحادث تسبَّب في أضرار جسيمة لسيارتي.

– أوووه، الحمد لله على سلامتك.

– المشكلة أن المتسبب في الحادث لم يكن لديه تأمين ضد الغير ولا حتى رخصة قيادة، وتم تقدير إصلاح السيارة بثلاثة آلاف. قام بدفع ألفين وبات يماطل في دفع الباقي، والورشة ترفض تسليمي السيارة إلا بعد دفع المبلغ المتبقي.

يتنهَّد خالد ويصدر زفيرًا مصحوبًا بأنين شديد.

-آااااااه يا لحظي العاثر. فوق أنني لا أملك نقودًا ما يكفي لإخراج سيارتي، تم فصل الكهرباء عن شقتي الصغيرة بسبب تعثُّر سداد الفاتورة المرتفعة، واضطررت لإرسال زوجتي إلى بيت أهلها لأنه لا يوجد من يستطيع مساعدتي ولا حتى أن يقرضني.

-ساعدك الله يا أخي. أتعني إن تم تدبير الـ1000 المتبقية لإخراج سيارتك، ستحل مشكلتك؟

-ها؟ عفوًا يا أخي، آسف جدًا، لم أقصد أن أطلب منك المساعدة.

-لا عليك يا خالد، الخير كثير. تفضل، مبلغ (1000) حلال عليك، وعسى الله أن يسهل أمورك.

– شكرًا شكرًا، لا أعرف كيف يمكنني أن أرد إليك جميلك هذا. سأدعو الله مخلصًا أن يوفقك ويسدد خطاك.

أخذ خالد نظرة على الشارع.

-تستطيع التوقف الآن.

-ولكن بقيت مسافة على مكان عملك الذي أخبرتني عنه.

-لا بأس، أفضل المشي قليلًا حتى أستعيد نشاطي تأهبًا للعمل. شكرًا لك مرة أخرى.

توقف السائق بجانب الطريق، ونزل خالد من السيارة بعد أن جدد له الشكر. انطلق السائق بسيارته، وبعد أن تأكد خالد أن السيارة قد ابتعدت بمسافة كافية، التفت يمنةً ويسرةً، ثم عبر الشارع متجهًا للناحية الأخرى. وقف ورفع يده بانتظار ضحية جديدة.

توقفت سيارة أخرى، فركب فيها خالد:

-شكرًا على إيقاف سيارتك أخي العزيز. أريد العودة إلى المنزل، لقد انتهى دوامي منذ نصف ساعة ولم أجد أحدًا يقوم بتوصيلي و…

-مهلًا، مهلًا… ألم أرك من قبل؟

-ها؟

-أوصلتك قبل دقائق فقط! كيف انتهى عملك قبل نصف ساعة؟

-في الواقع، أأأأأ…

قاطعه السائق بغضب:

-أعد لي نقودي أيها المحتاااااال!!!

فتح خالد باب السيارة وقفز منها دون أن يغلقه، وبدأ يركض بأقصى سرعته بينما السائق يصرخ عليه بغضب، استمر خالد في الركض حتى ابتعد عن السيارة تمامًا. أخذ يلهث وهو يمسح عرقه، مستعيدًا أنفاسه بعد أن انقطع صوت الصراخ.

خالد:

-آه آه، يا لهذا الموقف الصعب!! لم أتوقع أن يعود بسيارته إلى نفس طريق عودتي.

في تلك اللحظة، شعر خالد بيدٍ وُضعت على كتفه فجأة.

خالد:

-آااااااااااااااا، اتركني وشأني أرجوووك، فأنا فقير مسكين! خذ الألف ودعني.

فهد (ضاحكًا):

-ما بك يا خالد؟ ألم تعرفني؟

خالد (بتنهيدة):

-أووووووه، هذا أنت يا فهد؟! لقد أرعبتني.

فهد:

-لم أكد أعرفك وأنت بهذه الملابس! هل أصبحت تعمل في شركة أمنية؟ وما قصة الألف؟

خالد:

-لا أبدًا، سرقت هذه الملابس من أحد المغاسل، ومنذ حينها صرت أستغلها لأحصل على النقود من الآخرين مختلقًا لهم قصصًا حزينة لأكسب عطفهم.

فهد:

-أها، إذن أحدهم كشف حيلتك، حسب ما يبدو لي.

خالد:

-إنه الحظ العاثر.

فهد (ضاحكًا):

-أرى أن أسلوبك أكثر جرأة من أسلوبي! على الأقل كنت أحرص على أن أعيد ما سرقته دون أن يكتشف أحد حيلتي.

خالد:

-وهل تعتقد أني أحببت هذا الوضع؟ إنه مجرد وسيلة للهروب من الضغوط التي أعيشها.

فهد:

-لا ألومك، ولكن عليك أن تكون أكثر ذكاءً. لو أردت، يمكننا العمل معًا، لدي خطة قد تعجبك.

خالد (بدهشة):

-خطة؟ ما الذي تفكر فيه الآن؟

فهد بابتسامة:

-اسمعني جيدًا، خطة بسيطة، نحن لا نسرق، نحن “نُعيد ترتيب العدالة”، وهذا ليس بالعمل الهين حيث إننا سنواجه أشخاصًا يسرقون باسم القانون! أصحاب شركات، تجار جشعون… بدل أن تعمل منفردًا وتعرض نفسك للمخاطر، لماذا لا نشكل فريقًا؟

خالد:

-فريق؟ أنت تمزح، أليس كذلك؟

فهد بجدية:

-على الإطلاق، فقط فكر في الأمر. لماذا نحارب القدر عندما يمكننا استخدامه لصالحنا؟ لديك مظهر يوحي بالثقة، وأنا لدي خبرة في التخطيط والهرب.

خالد:

-أها، يعني أنا الواجهة، وأنت المخ… “المخـ”رب؟

فهد:

-لنقل “المخـ”طط .. أنا أكتب السيناريو، وأنت تنفذه.

بدأ خالد بالتفكير بجدية، في حين استمر فهد في التحدث وكأنه قد وضع خطة محكمة لتحقيق هدفه الجديد. فجأة، ظهر الرجل الذي كان يلحق بخالد ليمسكه بقوة.

الرجل:

-ها قد وجدتك، أعد نقودي أيها المحتال!

خالد (مرتعشًا):

-آااااااااا أرجوك ارحمنييييي!

ليتدخل فهد وهو يبتسم بثقة.

فهد:

-على رسلك يا صاحبي، دع هذا المسكين وشأنه.

الرجل:

-لقد احتال علي وأخذ مني 1000 بعد أن استغل طيبتي وادعى بأنه موظف في الحراسات الأمنية!

فهد (بهدوء):

-هل أنت متأكد؟ أليس من الأفضل أن تتأكد من وجودها في جيبك أولًا؟ لعلك مشتبه يا أخي.

الرجل (مندهشًا):

-أتظنني أحمقًا؟ لقد أعطيته المبلغ وأنا بكامل وعيي.

فهد:

-جرب فقط وعد نقودك، لن تخسر شيئًا.

الرجل (مفتشًا):

-حسنًا، أنظر… لا يوجد شيء في جيـ… ماذا؟! ما الذي أتى بها هنا؟

فهد (بابتسامة نصر):

-أرأيت؟ كدت أن تظلم الرجل باتهامك إياه.

الرجل (مرتبكًا):

-ولكن!!! مستحيل!!! أنا متأكد بأنني أعطيته، لماذا كان يهرب مني إذن؟

وضع فهد يديه على كتفي الرجل بطريقة ودية.

فهد:

-لا عليك يا أخي، لا شك أنك مرهق بعد خروجك من المنزل منذ الصباح الباكر، يبدو أن العمل استنزفك تمامًا وجعلك تصاب بـ”احتراق وظيفي” من الدرجة الأولى، أنصحك أن تذهب إلى المنزل، تشرب عصيرًا منعشًا، وليكن ليموناضة. شيء بسيط يعيد شحن طاقتك، الشركة لن تصنع تمثالًا لأنك موظف مثالي، ولكن زوجتك قد تنسى بأنك موظف أصلًا!

الرجل (بتردد):

-أممممم ربما… لا شك أنني متعب فعلًا… زوجتي قالت لي مرارًا بأني مهدد بالزهايمر وأعاني من الاحتراق الوظيفي كما قلت لي… يجب أن أذهب لأرتاح. شكرًا جزيلًا.

غادر الرجل وهو يتمتم لنفسه، بينما فهد يبتسم ابتسامة ساخرة ويلتفت إلى خالد الذي كان يحدق فيه بدهشة.

خالد (منبهرًا):

-يا رجل، كيف فعلتها؟!

فهد (بمزاح):

-قلت لك، لدي خبرة في التخطيط والهرب. فقط ثق بي يا خالد، وسنصبح الفريق الذي لا يُهزم! نحن مثل الديناميت والبنزين، معًا نصنع الانفجار المثالي.

في مكان آخر، وبالتوقيت نفسه، في حي راقٍ يقطنه الأثرياء، توقفت سيارة سوداء فارهة عند بوابة قصر فخم. فُتحت البوابة على عجل لتدخل السيارة وتسير عبر الممر المزخرف، حتى توقفت أمام المدخل الرئيس. خرج منها رجلان مقنعان، يسحبان خلفهما رجلًا نحيلًا، بدا شاحبًا وثوبه قد بهت لونه إلى درجة الاصفرار. كان الرجل يجر قدميه بتثاقل بينما يسير تحت قبضتهما.

دخلا به إلى القصر المترف، الذي تُزيّن جدرانه لوحات فنية فاخرة وتتدلى من سقفه ثريات كريستالية متلألئة. وفي قاعة الاستقبال، وقف الرجلان أمام شخص ممتلئ الجسم، مستدير الرأس، يرتدي بشتًا فخمًا مطرزًا بزري الذهب، ويجلس على كرسي فخم مذهّب يُشع بالأبهة والسلطة. كان يمسك بيده اليمنى عصًا خشبية برأس أسد مصنوع من الذهب الخالص، تنبض بهيبة تضاعف رهبة الموقف.

أنزل الرجلان ذلك الأسير النحيل على ركبتيه، وأجبراه على رفع رأسه بالإمساك بشعره، ليصبح وجهه مكشوفًا تمامًا أمام الرجل الجالس الذي لم تكن تعابير وجهه تدل إلا على الصرامة المطلقة.

الحارس الشخصي:

-يا طويل العمر، هذا هو المدعو (عوض) الذي أحضرناه حسب أوامرك.

لينظر إليه “طويل العمر” باستعلاء، بينما الرجل المسكين الذي يُدعى (عوض) ينظر أمامه دون يفهم شيئًا، شعر بجفاف حلقه، لكنه لم يجرؤ على طلب الماء.

عوض:

– هلا أخبرتموني من “طويل العمر” الذي أمامي لأقدم له احتراماتي؟

تحرّك أحد الرجال بخطوات محسوبة، طويل القامة، مفتول العضلات، يرتدي بذلة سوداء أنيقة تعكس طبيعة عمله كحارس شخصي لا يعرف التهاون، وقف خلف الكرسي الفخم الذي يجلس عليه الرجل المهيب، يقف كظلٍ ملازم له، كتلة من الهيبة والصمت، كأن وجوده وحده رسالة واضحة بأن سيده لا يُمس ولا يُخالف أمره.

الحارس الشخصي (بصوت جهوري وحاد):

-هذا طويل العمر (الشيخ أبو مشاري).

نظر إليه عوض مذهولًا، وكأن صاعقة نزلت على رأسه دون رحمة. لم يكن يصدق أن الشخص الجالس أمامه هو ذاته (أبو مشاري)، الاسم الذي رآه ذات مرة على ملصق بجهاز صراف آلي، كان ذلك اليوم الذي حاول فيه سحب مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ50، ولكن البطاقة خرجت مصحوبة بالإشعار البارد: “الرصيد غير كافٍ”.

حينها، تسمر عوض محبطًا أمام الجهاز ببؤس شديد، قبل أن تلفت نظره تلك الملصقات العشوائية على الجهاز. وبينها واحدة كتب عليها: (أبو مشاري لاستخراج القروض الميسرة وفق الشريعة الإسلامية). الآن، وهو يراه عن قرب في هذا المشهد المهيب، أدرك أن “القروض الميسرة” لم تكن سوى خدعة تسويقية لوحش يرتدي بشتًا فاخرًا، وحش لا يعرف الرحمة… وربما يتقاضى فوائد حتى على نفسه.

أبو مشاري (بنبرة حازمة ومتعالية):

-أنت، يا عوض، كيف تجرؤ على المماطلة؟ شهران كاملان دون أن تدفع الأقساط؟ هل اعتقدت أنني سأغفر لك؟ أم خُيِّل إليك أنني جمعية خيرية؟

عوض (يتلعثم محاولًا التفسير):

-يـ… يا طويل العمر، الأمر ليس كما يبدو. لقد مررت بظروف صعبة. والله، حتى الرز ما عاد يدخل بيتي إلا بالكاد!

أبو مشاري (يضرب بعصاه على الأرض):

-ظروف صعبة؟! هل تعلم ما هي الظروف الصعبة؟ الظروف الصعبة هي عندما يكون مندوبي في طابور البنك ويكتشف أن أحدهم يماطل في الأقساط، مما يعطل أرباحي. هذه هي الظروف!

تتسارع أنفاس عوض حتى كاد أن يخرج قلبه من جوفه، تتزايد رهبة الموقف داخله كالنار التي تأكل ما تبقى من شجاعته. كان المقنعان اللذان يقفان خلفه، يمسكانه بقوة وكأنه شاة معدة للذبح، يتبادلان النظرات وكأنهما ينتظران الأوامر لتنفيذ الحكم بأن يستقبلوا القبلة ويسقوه جرعة من الماء الأخير.

الحارس الشخصي (بصوت جاد):

-يا طويل العمر، هذا الرجل يدعي أن عمله في توصيل الطلبات لا يجلب له إلا القليل، ولكن كما تعرف، استخباراتنا لا تخطئ.

عوض (بحماس محاولًا إنقاذ نفسه):

-لا لا، ليس ادعاءً! أقسم أنني أعمل بجد، لكن… الطلبات قليلة فعلًا يا طويل العمر.

ليرد عليه الحارس الشخصي (وهو يضيق عينيه):

-لا تحاول الكذب، لدينا كل التفاصيل. هذا الأسبوع، كسبت مبلغًا محترمًا، أليس كذلك؟ أم أنك تحسب طويل العمر يقرضك دون ضمانات؟!

عوض (يبرر بتلعثم):

-أأأأ … الأمور صعبة، والله العظيم. الإيجارات … وو… والأسعار… الحياة خانقة! فقط امنحني فرصة … فرصة أخيرة يا طويل العمر، أعدك أن أدفع كل شيء قريبًا.

أبو مشاري (بابتسامة خبيثة وهو يتكئ على عصاه):

-“قريبًا”، الكلمة التي تسمعها قبل أن تقع الكارثة دائمًا.

يلوح بعصاه نحو الحراس.

-اسحبوه من هنا… دعوه يختبر “الواقع” قليلًا (يقولها بغمزة خبيثة) كونوا كريمين معه!! فليتذكر أن الدين ليس مجرد أرقام تُكتب على الورق، بل التزام يُسدد مهما حدث.

عوض وهو يتوسل مذعورًا:

-أرجوك، يا طويل العمر، أحتاج مهلة! سأدفع كل شيء، والله العظيم!

قبل أن يكمل توسلاته، يسمعون صوت فتاة من الخارج تصرخ وتتوسل بالسماح لها بالدخول. أومأ أبو مشاري للحراس، وأمرهم بإدخالها. دخلت فتاة محجبة تبدو في سن المراهقة، ترتدي ملابس مدرسية زرقاء داكنة، مما يوحي أنها لا تزال بالمرحلة الثانوية.

عوض بصوت متهدج:

-ناهـ… ناهـ… ناهد؟! ما الذي أتى بكِ إلى هنا يا ابنتي؟

ناهد وهي تقف بين الحراس ووالدها بشجاعة:

-أرجوك يا طويل العمر، أطلق سراح أبي. ليس لنا في الدنيا سواه.

الحارس الشخصي ينحني ليميل نحو أذن أبو مشاري هامسًا، بينما أبو مشاري يحدق بالفتاة باهتمام. يهز رأسه قليلًا، ثم يبتسم ابتسامة واثقة.

أبو مشاري:

-حسنًا يا مسكين، يبدو أن الحظ ابتسم لك يا عوض، هناك مخرج لمصيبتك.

عوض بعجلة وارتباك:

-شكرًا يا طويل العمر! فقط دعني وأقسم أنني سأعيد كل شيء قريـ…

أبو مشاري (مقاطعًا بصوت حاد):

-صمتًا! كلماتك الفارغة لا تسمن ولا تغني من جوع. الآن، استمع جيدًا… بإمكاني التغاضي عن كل ما تبقى من أقساطك، ولكن بشروط.

يميل بعصاه نحو ناهد:

-علمتُ أنكِ تجيدين صناعة الحلويات… بل وتبيعين بعضها أحيانًا، صحيح؟

عوض بوجه مرعوب:

-لا… لاااا… ليس ابنتي!

ناهد تقف أمام أبو مشاري وتقطع كلام والدها:

-حاضر يا طويل العمر، سأفعل ما تريد، إني تحت أمرك.

عوض برجاء شديد:

-أرجوك، لا تورطها… أعطني أسبوعًا، فقط أسبوع.

أبو مشاري (بنبرة صارمة):

-أسبوع؟ حسنًا… لديك أسبوع واحد لتسدد دينك بالكامل، إن فشلت… ستعمل ابنتك تحت أمري، ولن ترى الشمس أو القمر مرة أخرى.

أشار للحراس الذين سحبوا عوض وناهد بعنف خارج الغرفة. في تلك اللحظة، أطلق أبو مشاري تنهيدة ارتياح قصيرة، ثم التقط هاتفه واتصل بشخص ما.

أبو مشاري (بصوت هادئ وثقيل):

-كيف تسير الأمور مع “الضمانات الجديدة” ؟… همممم، جيد جدًا، أريد قائمة بأسماء المتأخرين، وسرّبوا الخبر لبقية الحمقى، لا أحد يفلت من يد الشيخ أبو مشاري.

في زاوية هادئة من المدينة، جلس فهد وخالد في مقهى متواضع، يتناولان مشروبًا ساخنًا… مع الشيشة التي كان خالد يستمتع بها بحماسة، بينما فهد اكتفى بالشاي.

خالد (مترددًا):

-فهد، أعتقد أن خطتنا بدأت تتضح. ولكن… لا أزال قلقًا. آمل بأننا لا نلعب بالنار، خصوصًا إذا كان خصمنا شخصًا مثل “أبو مشاري”.

فهد (يأخذ رشفة من الشاي المُطَعَّم بالحبق قبل أن يبتسم):

-لا تقلق، نحن لا نلعب بالنار… نحن نصنعها. أما بخصوص أبو مشاري، فلتكن مطمئنًا لأن أوانه لم يحن بعد، الحصون الكبيرة لا تُهدم بجرافة، بل بفئران تعرف طريقها جيدًا، وما أكثر فئران أبو مشاري!

خالد (يحدق بفهد بقلق):

-أتظن بأننا قادرون على التعامل مع شخص مثله؟ مجرد ذكر اسمه يجعلني أشعر بأنني أحتاج إلى تغيير عنواني والعيش في كهف.

فهد (بضحكة خفيفة وهو يضع كوب الشاي على الطاولة):

-أبو مشاري؟ لو واجهناه، سأجعل منه مادة تعليمية في “كيفية تحويل ملك الغابة إلى فأر تجارب”. صدقني، التعامل مع أمثاله يحتاج فقط إلى تخطيط بسيط… والقليل من المفاجآت التي تجعلهم يشكّون في كل خطوة يتخذونها.

خالد (يتنهد وهو يأخذ نفسًا من الشيشة):

-فهد، أنت تجعل الأمر يبدو وكأنه لعبة بلاي ستيشن وما شابه، أراك تأخذ الموضوع ببساطة!!

فهد (بابتسامة ساخرة):

-خالد، الحياة كلها لعبة بلاي ستيشن … ولكن الفرق أنني ألعب على مستوى “Hard”، وأمثالك عالقون في النسخة التجريبية!!

خالد (وهو يبتسم):

-حسنًا، أتمنى أن تكون لعبتك هذه مع أبي مشاري هي الشيء الوحيد الذي لا ينتهي بـ”Game Over”.

فهد (ينظر إلى خالد وهو يرفع حاجبيه):

-هه، أضحكتني يا خالد!! “Game Over”؟ هذه ليست موجودة بقاموسي أبدًا… أغير قواعد اللعبة بأكملها إذا لم تعجبني، أمثال هذا الوغد لن يخضعني، سأجعله يدفع الثمن … وربما مع الفوائد… سيأتي يومٌ يسقط فيه هذا الطاغية، وعندها، ستظهر على شاشته – وللسادة المشاهدين – العبارة الحتمية:

“انتهت اللعبة – GAME OVER”.

يتبع …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى