مناسبةٌ مفقودةٌ من خريطة الإحياء الديني ..!
من المناسبات المغيّبة من خريطة الإحياء الديني عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي مناسبة مولد الإمام موسى الكاظم عليه السلام، ولعل السبب في ذلك يرجعُ إلى أن القول الأشهر والمتداول لتاريخ ولادته عليه السلام هو السابع من صفر[1]، وهو نفس اليوم الذي تصادفُ فيه ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، إضافةً إلى كون شهر صفر من أشهر الحزن التي مرّت على أهل البيت عليهم السلام، ما جعل الأولوية تنصرفُ لإقامة مراسم العزاء بدلاً من إقامة مراسم الفرح، رغم أنّ في الوسع الجمع بين مناسبتي الحزن والفرح بعرض ذكرِ الإمام الكاظم عليه السلام دون اظهار مراسم الفرح التي تتعارض مع قدسية شهادة الإمام المجتبى (ع) وجو الأحزان في شهر صفر.
وكيفما كان، ففي الأمر سعة من جهةٍ أخرى، ففي تحقيق للسيد محمد باقر الموحد الأبطحي (رحمه الله) عنوانه «القول المعتبر في مولد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام» خلص المؤلف (رحمه الله) إلى أن التحقيق يفضي إلى كون ولادته عليه السلام كانت في أواخر شهر ذي الحجّة، مستنداً إلى رواية في بصائر الدرجات للصفّار رحمه الله وروايتين في المحاسن للبرقي رحمهُ الله[2] ورواية في دلائل الإمامة للطبري رحمهُ الله، مفادها أن زمن ولادة الإمام الكاظم عليه السلام كان بعد رجوع الإمام الصادق عليه السلام من الحجّ، وخلص في تحقيقه للقول:
«والتحقيق في المقام على نحو الإيجاز: إنّ هذه الروايات تدلّ بوضوحٍ على أنّ تولّد الإمام الكاظم عليه السلام كان بالأبواء، وفي الحديث الأخير تنصيص الإمام العسكري عليه السلام على أنّه ولد في ذي الحجّة، وفي الحديثين الأوليين دلالة عليه أيضاً، فإنّ أبا بصيرر قال حججنا مع أبي عبدالله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام فلما نزلنا بالأبواء وضع لنا الغداء … فبينما نحن نأكل إذ أتاهُ رسول حميدة –إلى أن قال- فقام أبوعبدالله عليه السلام وانطلق مع الرسول ، فلما انصرف قاله له أصحابه، سرّك الله وجعلنا فداك، ما صنعت حميدة؟ قال: قد سلمها الله، ووهب لي غلاماً وهو خير من برأ الله في خلقه.. ..»[3]
ومن هنا، فالمأمول من المؤمنين أن يخصّصوا ليلة في النصف الأخير من ذي الحجّة لإحياء مناسبة مولد الإمام الكاظم عليه السلام، وإظهار السرور بما يليق بمناسبةٍ كهذه، وما أجمل ما اختاره بعض المؤمنين في بعض البلدان من جعل تاريخ الإحتفال بالولادة في ليلة العشرين من شهر ذي الحجّة، فما أجملها من ليلةٍ بين ذكرى تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وذكرى حادثة المباهلة.
———————————-
[1] لعل منشأ هذه الشهرة كتاب المناقب لابن شهراشوب رحمه الله. حيث ذكر التاريخ في فصلٍ عقده في أحواله وتاريخه عليه السلام فقال: “فصل: في أحواله وتواريخه عليه السلام موسى بن جعفر الكاظم الامام العالم. كنيته: أبو الحسن الأول، وأبو الحسن الماضي، وأبو إبراهيم، وأبو علي. ويعرف بالعبد الصالح، والنفس الزكية، وزين المجتهدين، والوافي، والصابر، والأمين، والزاهر. وسمي بذلك لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضي التام” –إلى أن قال- أمه حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري، ويقال: انها أندلسية أم ولد تكنى لؤلؤة ولد (ع) بالابواء موضع بين مكة والمدينة يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة”.
مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب رحمهُ الله، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، طبعة 1956 هــ، المطبعة الحيدرية بالنجف الأشرف، ج 3 ص 437.
[2] أورد الشيخ الكليني رحمه الله نفس الرواية التي رواها البرقي في المحاسن عن أبي بصير في كتابه الكافي قائلاً:
علي بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن محمد بن زيد الرزامي عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذا أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا، فقام أبو عبد الله عليه السلام فانطلق مع الرسول، فلما انصرف قال له أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟ قال سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه … (الخبر)
الكافي للكليني رحمه الله، صححه وقابله وعلق عليه علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة 1388 هـ، الناشر: دار الكتب الاسلامية، كتاب الحجّة، باب (باب) * (مواليد الأئمة عليهم السلام) ، ج 1 ص 385، ح (1)
[3] القول المعتبر في مولد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، السيد محمد باقر الموحد الأبطحي رحمه الله، تحقيق مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، الطبعة الأولى 1435 هـ، قم، ص 16.