توقف القلب الكبير..واضطرب نبضنا
جاسم المشرَّف
السيد محمد علي العلي السلمان
أيقونة تختزل التقوى والورع ونكران الذات والتبسط والتواضع ورهافة الحس ورقة القلب وطهارة الروح وإخلاص النية وصدق الولاء.
تراه ببن الناس كواحد منهم يتآلف مع أسلوب حياتهم وحديثهم ويتعايش مع اهتماماتهم، وإذا ما كان في ذكرى عزاء الطاهرين أو أفراحهم تجاهل كل ما يعانيه؛ ليعيش بكله مع حزنهم وفرحهم.
وإذا ما انفتح على الدرس أو كان في نقاش علمي تجد ذلك البحر الذي يستحضر أدق المطالب الفقهية والأصولية، وكأنك لم تكن قبل قليل تتحدث مع ذلك الترابي المتبسط الذي ينسيك من هو!.
لا يستنكف عن مشاورة من هو دونه، والأخذ برأيهم، أو الاعتذار من أي موقف أو تصرف لم يكن بحسبانه أنه يكدر أو يزعج أحدا وإن كان محقا.
أتذكر كنت مشاركا في إحدى الاحتفالات في بيته العامر، وقد شغله عن مشاركتي أحد المؤمنين.
أنهيت المشاركة وأبديت للمنسق عدم ارتياحي من انشغال السيد عن مشاركتي، فأرسل إلي من فوره اعتذارا، وأنه على استعداد للمجيء للدمام لاسترضائي، مما أوقعني في حرج وخجل من هذه الأخلاق السامية والروحية العالية، وتلك لعمري أخلاق الأولياء المقربين.
لم يظهر لنفسه فخرا على أحد ولم يشعر أحداً بامتياز، رغم اجتماع خصال الخير والبر والورع والعلم والأدب والنسب الشريف في شخصه.
ورغم ما يعيشه مع ربه في خبأة السر من قرب وسمو، وفي صورة العلن من تجلي شخصية العالم العامل والورع الخاشع لربه والمحب لعباد الله لم يشعر جلساءه باختلاف طبقاتهم ومشاربهم بأنه ذو فضل عليهم، ولم يتفاخر عليهم بعلم أو نسب.
ورغم ما عاناه من بعض المتعالمين، والمتفيهقين من تجرع الغصصص إلا أنه لم تبدُ منه كلمة ذم، أو نزعة حقد”وليس كبير القوم مَن يحمل الحقدا”، بل يتعامل معهم وكأن لم يصدر منهم ما أوجع قلبه، وبلبل لُبَّه.
غَيرته على شريعة ربه وصلاح مجتمعه هي ما تدفعه لأن يتوجه بثقل الثمانين وما عليها لمن هو في عمر أبنائه وأحفاده ناصحا بحنان الأب العطوف وبرقة جده المصطفى الرؤوف صلى الله عليه وآله وسلم.
وأصعب ما يكدر خاطره أن يقصده أحد المؤمنين بحاجة ولا يجد سبيلا إلى قضائها.
أتتبع خطوات سماحة السيد من خلال صديقي الأستاذ السيد حسين السلمان خطوة خطوة، وكم تأخذني الرأفة عليه مما يلاقيه من جهال قومه، وعدم توقير مقامه وعمره ومكانته ممن أخذتهم عزة النفس وسفاهة الرأي وجهلهم المركب إلى ما لا يليق بجوهرهم، ومع كل هذا يصرُّ على أن يؤدي ما يراه واجبا عليه تجاههم.
كم كنت أتساءل: أين بعض مَن سلك طريق العلم وتصدى للمجتمع من سمت العلماء الربانيين وأخلاق الأولياء المخلصين الذي تجلى في هذا السيد الذي كان مثالا لقوله تعالى:
(تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ)
سماحة السيد محمد علي رقم كبير في ساحة العلم والعرفان العملي والأدب، ولولا ما كان يعانيه من بعض الأمراض المزمنة لتجلى للقاصي والداني ما هو أكبر وأعمق مما نراه من مآثره الكريمة وصفاته الجليلة، وعطائه الكبير.
ها هي الأحساء تودع واحدا من أساطين علمائها، وأفذاذ شعرائها وكبير رجالها، ورائد حوزتها، فإلى رحمة ربه وفي جوار أجداده الطاهرين حيث قرة العين والسعادة الأبدية.