مقابلة خاصة: التشكيلية خديجة السمين تحت مجهر بشائر
رباب حسين النمر – الدمام
خديجة السميّن: ريشةٌ أنيقةٌ ، تتقاطرُ إبداعاً ملوّناً .
حكايات و قصص، أناشيد و مواويل، وجوه تختزل في ملامحها تاريخاً طويلاً، وفي مشاعرها تجارب الحياة.
هي الريشة حينما تتفاعل مع عالمها، وقضاياها، ومجتمعها، فيندك كل ذلك بين قاب قوسي فنها و إبداعها. تُسطِّر على اللوحات تاريخ حضارة، وحكاية إنسان.
خديجة السمين تشكيلية تشرّبت الألوان، وعشقت التجريب، وتماهت مع الريشة تراقصها بخفّة ودراية على الورق. ولدت بين أفياء النخيل، و ارتسمت أولى خطواتها على أرض هجر؛ تلك الواحة الخضراء المفعمة بجمال الطبيعة الغنّاء، ونضارة بساتين الأترج والتين والرمان، وانسكاب موسيقى الماء المتفجر ينابيع من العيون، فتفتحت عيناها على عالم من الألوان، والمفردات التي تبعث على الفن وتُغري بالتشكيل.
ومن بين سعيفات النخيل كان ثمة انتقال إلى حيث الأزرق العملاق المتسع حد الدهشة، بأمواجه المنسابة، وشمسه الذهبية، ورماله الرطبة الناعمة، وصدفاته وقواقعه المتناثرة على رمال الشاطيء. فكان رافدٌ آخر من الورافد التي أسهمت في نفخ روح التشكيلية خديجة بالجمال وتغذية تراكماتها البصرية والمعرفية بالصور، وتشكيل شخصيتها الفنية.
وفي حديث مفعم بالغيث، تحدثت لنا خديجة السمين:
من هي التشكيلية خديجة السمين؟
وكيف تقدم نفسها لقرّاء بشائر عبر بطاقة تعريفية مختصرة؟
خديجة حسن السمين، من مواليد الأحساء. إنسانة بسيطة، وطموحة، كنت أعمل في مجال التجميل. أحسائية مستقرة بالدمام، منعتني ظروف الحياة و الأمومة عن إكمال دراستي الأكاديمية.
مرحلة البدايات، هي الخطوات المرتبكة الأولى، وفترة اكتشاف الذات، ومرحلة التجريب التي تضع المبدع على بداية خيط الحكاية، فكيف كانت بداية خديجة التي انطلقت منها إلى عالم الفن التشكيلي؟
بداية كنت أرسم (أنميشن) و(الطبيعة) حينما كنت صغيرة السن، ثم انقطعت عن ممارسة الرسم مدة طويلة، وذلك بعد زواجي، وإنجابي، وانشغالي بالعمل.
وفي يوم ما قررت أن أعود للكراس، للرسم، للريشة، للألوان، ومن هنا بدأ الاشتغال على النفس، حيث كنت أرسم بشكل يومي، وأتابع بعض التشكيليين في قنوات اليوتيوب، ثم أطبّق بعض الرسومات.
اجتهدت بشكل كبير، واستمر اجتهادي بالرسم يومياً، وبشكل تدريجي يوماً بعد يوم أصبحت أرسم شخصيات معروفة، إلى أن طوّرت نفسي بنفسي ذاتياً، ولم أدرس أي دورة.
الفن مزاج رائق، أو تجربة رائعة، أو موقف يهز نخيل التفاعل هزاً، و ثمة طقوسٌ مُعِينَةٌ على تمهيد النفس وحرثها لاستقبال بذور الإبداع، وتحفيز النفس على الإنتاج الإبداعي، و العطاء.
فما هي الطقوس الخاصة التي تمارسها التشكيلية خديجة فتنشّط خلايا الإبداع داخلها، وتجعل عضلاتها الفنية تراقص الخطوط على ميدان اللوحات والورق؟
دائماً أُشَبِّه الفنان بالشاعر أو الكاتب.
فلا يستطيع الشاعر أو الكاتب أن يكتب دون إحساس أو انفعالات، وإلا فلن يستشعر القارئ كلماته.
كذلك الفنان أو الرسام، إن لم يكن في حالة مزاجية للرسم فلن يكون لرسمه إحساس، ولن ينبض بالحياة.
أما طقوسي فغالباً يسبق الرسم فنجان قهوة، أو (شاي مخدّر ) ويكون جوي راااائق وهاااادئ مع تناغم قصيدة، أو موسيقى كلاسيكية في بعض الأحيان.
ويفضل أن يكون محيطي هادئ جداً، لذلك لا أفضل الرسم المباشر في بعض المهرجانات، أو المعارض التي نادراً جداً ما أشارك فيها.
تُشكِّل العوائق في طريق المبدع صخور تحد صارخ ينبغي عليه مواجهتها بكل قوة واقتدار ليتحرك في مسيرِهِ إلى الأمام ..
فما هي العوائق التي كانت أمام خديجة؟ وكيف أزالتها؟
أكبر تحدّ واجهته كان الجمع بين الرسم وبين تربية أبنائي وعملي كذلك. وهذا أخر خطواتي في مجال التشكيل والرسم.
العائلة هي المحتضن الأول للموهبة ، والراعي الرسمي لها ، ولا سيما في بداياتها، كيف كانت ردود أفعال العائلة تجاه موهبتك؟ هل تبنتها، أم نفتها؟
كان لعائلتي تأثير إيجابي كبير على رعاية موهبتي
و لا سيما والدي الحبيب، فله فضل كبير جداً في تنمية هوايتي، فقد لاحظ حبي للرسم منذ طفولتي، وكان يوفر لي الأدوات والمواد التي تساعدني على تطوير هذه الهواية التي ورثتها منه شخصياً، ولكنه لم يصقل موهبته للأسف!
ولا أنسى بالطبع فضل والدتي -رحمها الله- في صقل موهبة نقش الحناء عندما اكتشفتني مصادفةً وأنا أنقش بعض الزخارف.
ومن المميزات الإيجابية وجود الثقة المتبادلة بيني وبين عائلتي، لذلك لم يصادفني نقد أو انزعاج صادر منهم تجاه ما طرحته من أعمال أو مشاركات.
في جولة ماتعة بين الصور والمقاطع المبثوثة على صفحات حسابكم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدتُ خديجة تُنَوِّع في استخدام تقنيات الرسم.
فتارة ترسم بالتنقيط ، وتارة بالخطوط المستقيمة، فهل لكِ أن تحدثينا عن مختلف التقنيات التي تستخدمينها في لوحاتك؟
أحب تجربة كل شي: الألوان بمختلف أنواعها، و أقلام الرصاص، والحبر والفحم، وحتى القهوة والشاي، استخدمتها كلها كوسائل للرسم.
أحب تجربة الرسم بكل شي، وبأي شيء من الممكن الرسم به.
…….
رسمت خديجة شخصيات كثيرة، وجوه،وملامح، ومشاعر، وابتسامات ..
لماذا رسمت خديجة هذه الشخصيات بالتحديد؟
بعض الشخصيات مؤثرة فرضت نفسها، ولم أستطع التعبير عن تميّز هذه الشخصيات إلا عن طريق الرسم، وبعضها كانت مرتبطة بحدث مهم حرّك مشاعري وريشتي.
أما بعض الشخصيات العائلية فلها معزة ومكانة خاصة في قلبي.
لماذا يختفي اللون غالباً عن لوحات خديجة، فتتوارى خلف قلم الرصاص بتدرجاته،، أو الفحمي بتموجاته، أو لون الحناء المتحد؟
بدايتي كانت ملوّنة، ولكن قلم الرصاص، والفحم أسرني أكثر.
مع ذلك لي تجارب مع الألوان بأنواعها المتعددة، والحبر، وكذلك القهوة، والشاي.
أين خديجة من حضور المعارض على مستوى الوطن، والخليج، والعالم العربي والإسلامي، والعالم الغربي؟
لي مشاركات هنا بالشرقية، ولكن على المستوى الخليجي أو العربي لم أستثمر هذه الفرص لأسباب خاصة.
وهذه بعض المعارض اللي شاركت فيها حسب ما احتفظت به الذاكرة:
معرض حكايات ملونة عام 2013
رواق الفن التشكيلي بمنتزه الملك عبدالله البيئي عام 2017
معرض عبير الأحساء عامي : 2017 م ، و 2019 م .
والفن التشكيلي ( ويا التمر أحلى ) عام 2015 م .
الركن التشكيلي ( كلنا منتجون ) عام 2015م
امرأة هجرية عام 2017م
ألوان الحياة عام 2019م
كذلك كانت لي مشاركات أخرى متنوعة، ومشاركات في معارض حسينية.
خديجة تتراوح بين الوجوه والملامح، ونقوش الحناء،
ما الرابط الذي شد خديجة إليهما؟
الرابط جمالي وإبداعي، النقش له رونقه وجماله، ولكن رسم الملامح تأثيره أكبر لما تحمله من معانٍ وترجمة مشاعر وأحاسيس.
وقد تعبّر بعض الوجوه عن رسالة، أو فكرة، أو موضوع هادف.
والآن هل تجد خديجة نفسها أكثر مع القُمْع؟ مع الفرشاة؟ أم مع الريشة؟
كلٌّ له رونقه، ومتعته، ولكن القمع بالنسبه إليّ كـعمل أكثر متعة، لأنه أقرب للرسم الحر، والإبداع.
التكنولوجيا الحديثة، واستخدام الحاسوب دخل في مجال الرسم، وأنتج فناني جرافيك .. فهل من علاقة بين خديجة ، وبين الرسم الرقمي؟
رغم أنه فن دقيق، وتسهل معالجة الأخطاء من خلاله، ولكنه لم يجذبني نهائياً؛ لأني أجد الرسم بالأدوات والمواد المعتادة أكثر متعة.
ماذا أعطاكِ الرسم و التشكيل؟
أراه أعطاني أكثر مما أخذ منّي.
أعطاني مساحة كبيرة للتعبير، وكان لي متنفسٌ أهرب إليه من ضغوطات الحياة، و فتح لي آفاقاً جديدةً وإضافة مهمة في حياتي.
وبالنسبة إليّ فإن أجمل أعمالي، وأكثرها حيوية عندما أرسمها وأنا أمر في حالة ضغط من ضغوطات الحياة.
أجد الرسم مُتنفَّساً لي ..أُفرِّغ فيه كل انفعالاتي، ومشاعري في اللوحة.
ماذا أخذ الرسم من خديجة ؟
قد يكون أخذ مني شيئاً من الخصوصية، فالإنسان البعيد عن الأضواء تكون حياته أكثر خصوصية، على العكس ممن كان تحت بؤرة الضوء.
تراوحت روح خديجة بين تأثير البيئة الخضراء المندكة بين سعيفات النخيل واصفرار البلح، واحمرار الرمان، وتأثير البيئة الزرقاء المندكة في ثبج البحر، وسماءه ونوارسه، فأيهما كان له التأثير الأكبر على ريشة خديجة؟
من الممكن أن يكون للبيئة والمحيط تأثير كبير في خيالي وطموحي. أنا محبة للطبيعة ، وكذلك التراث.
أول عمل بورتريه رسمته كان لـفتاة ترتدي زيّاً شعبياً تراثياً، حين كنت في الثالثة عشرة من عمري.
كذلك كانت بداياتي رسم الطبيعة والغروب بألوان زيتية.
الأبناء ورثة الآباء، لا يرثون عنهم فقط لون العينين، و البَشرة، والشعر، بل هناك إرث معرفي، ومهاراتي يرثونه، فهل ورث عنك الموهبة أحد الأبناء؟
نعم. ابنتي، وكذلك ابني محمد أجد فيه موهبة الرسم بشكل جميل وقوي.
كيف ننمي موهبة الرسم -من وجهة نظرك- لدى الطفل ولا سيما أنه ميَّال بطبعه إلى هذا الفن؟
مجرد أن تُترك بين أيديهم الأوراق، وكراسة الرسم تنمو الموهبة بالتدريج. وبالتأكيد مع كلمات التشجيع والثناء، فلها أثر في تعزيز الثقة والتطور .
طبعاً هذا ما صنعه لي والدي و والدتي رحمهما الله. و كان له الفضل في تنمية موهبتي.
مثلاً: أغلب أعمال ابني محمد أحتفظ بها، وبعضها أضعه في إطار و أعلقه، وقد قمت بتثبيت المجموعة الجديدة على الثلاجة حتى أعطي أهمية لأعماله.
ما الأشياء التي تطمحين إلى تجريبها مستقبلاً في فن الرسم؟
أحب أن أجرب الرسم بإضافة مواد، وخامات على العمل.
وقبل نقطة السطر الأخير يسر (بشائر ) أن تتقدم بالشكر الجزيل للتشكيلية الرائعة خديجة السمين متمنية لها حياة ملوّنة كلوحة مدهشة، ومستقبلاً مباركاً ودوام الموفقية.