أقلام

لماذا يتجنب الناس الأعمال التي تتطلب جهدًا؟

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

مدى تقدير الناس للجهد: نتائج العمل الذي يتطلب مجهودًا تبدو جديرة بالاهتمام، ولكن لا تدرك تلك القيمة إلَّا بعد الإنتهاء منه

بقلم بيوتر وينكيلمان وزميله، جامعة كاليفورنيا، سان دييغو

في الحكم على ما إذا كان هناك شيء يستحق الجهد، ما إذا كنت قد حاولت جاهدًا أن تفعل شيئًا أو وجدت أنما هو مأمول من هذا العمل من نتائج قد يغير حساباتك. هذا ما وجدناه في دراستنا الجديدة (1)، التي نشرت في مجلة علم النفس التجريبي: العامة.

حين نأخذ في الاعتبار بذل مجهود في المستقبل، فإنه كلما كان الجهد المطلوب لهذا العمل كبيرًا كلما كانت مردوداته أقل جاذبية. إلَّا أنه بمجرد الانتهاء منه وإنجازه، يحدث العكس، حيث كلما كان الجهد المطلوب أكبر كلما بدا المردود قيِّمًا أكثر. لقد اكتشفنا أيضًا أن الاختباء وراء هذا المبدأ العام للتوقيت [قبل الإنجاز أو بعد الإنجاز] هناك فروق فردية بين الناس في مدى ما للجهد السابق أو اللاحق من تأثير في قيمة مردود ذلك الجهد قي الناس.

قيمة المجهود بالنسبة للفرد؟

في التجربة التي قمنا بها، أعطينا المشاركين فيها خيارين إما مبلغ ثابت من المال وإما أداة من أدوات المنزل – كوب، مثلًا – بإمكانهم أخذه معهم إلى البيت لو بذلوا قدرًا من الجهد البدني، أي ما يعادل صعود طابق أو طابقين أو ثلاثة طوابق عن طريق الدرج.

هذه التجربة أعطتنا فرصة لمعرفة القيمة التي يضعها كل شخص مقابل هذا الجهد – هل هي أعلى أو أقل من قيمة الكوب؟ على سبيل المثال، لو جعل بذل المزيد من الجهد شخصًا يغير قراره ويختار المبلغ المالي بدلاً من أخذ الكوب، فبإمكاننا أن نقول أنه قدَّر قيمة الكوب بالإضافة إلى ذلك المقدار من الجهد بأقل من مبلغ المال الثابت.

كما غيرنا في الجانب التوقيتي من الجهد. حين كان بذل الجهد متطلبًا في المستقبل، فقد قرر المشاركون ما إذا كانوا يريدون أخذ المال أو الحصول على الكوب ببعض الجهد. عندما كان الجهد في الماضي، قرر المشاركون ما إذا كانوا سيختارون المبلغ المالي [بشرط بذل جهد كبير] أو سيختارون أخذ الكوب لو بذلوا جهدًا بسيطًا.

كما توقعنا، اختيار بذل جهد في المستقبل انتقص عمومًا من قيمة الكوب، لكن الجهد المبذول في الماضي زاد عمومًا من القيمة.

لكن هذه الاتجاهات العامة في خيارات الناس لا تحكي القصة بأكملها. قيمة الجهد المطلوب أو المبذول ليست سواء عند جميع الناس، حيث لا ينظرون إلى الجهد بنفس النظرة. كشفت دراستنا أيضا الاختلافات الفردية المذهلة بينهم في النظرة إلى قيمة الجهد. وهنا تبين إن هناك أربعة أنماط مميزة:

1- بالنسبة لبعض الناس، جهد إضافي دائمًا ينتقص من القيمة.

2- بينما فضل البعض الآخر باستمرار أخد الأدوات المنزلية مقابل بذل المزيد من الجهد.

3- أظهر الكثيرون أنماطًا مختلطة وغير واضحة، حيث زاد الجهد المتوسط من القيمة، ولكن الجهد المفرط قلل منها.

4- البعض كان لهم شعور مختلف: في البداية كرهوا بذل جهد، ولكن بعد ذلك وجدوا فيه قيمة أكبر عند مستويات أعلى منه.

تُظهر هذه الأنماط المتغيرة أن علاقة الفرد بالجهد ليست علاقة بسيطة. بالنسبة لكثير من الناس، هناك مستوىً أمثل – القليل من الجهد المطلوب أو المبذول قد يجعل شيئًا ما أعلى قيمة، ولكن مع الإفراط فيه قد يقلل من القيمة. كالاستمتاع بتمرين مدته 30 دقيقة، لكن هناك خشية من تمرين مدته ساعتان، أو بالعكس، حيث لا يرى الشخص التمرين الذي مدته 5 دقائق أنه يستحق العناء وتغيير الملابس، ولكن يراه مستحقًا لو كانت مدته 45 دقيقة.

طرحت ورقتنا نموذجًا رياضيًا (2) يوضح هذه الاختلافات الفردية بين الناس، وذلك لأن الدماغ بطبيعته يحسب التكاليف والفوائد المتوخاة من بذل الجهد بناءً على الظروف

لماذا ينتهك “قانون الأقل جهد (3)؟”

لماذا التوقيت في بذل الجهد مهم؟ يبدو أن من الواضح أن المنطق والطبيعة من شأنهما أن يعلمانا أن نتجنب بذل الجهد، بل ونكرهه. الطائر الطنان (4) دائمًا انتقائي ويفضل الزهور التي يصعب الحصول عليها على تلك البديلة والسهلة، مما يجعله يستحق الدرجة الكاملة على بذله هذا الجهد، ولكن، من شأن ذلك أن يستنفده قواه وينهكه بسرعة، ولذا لن يستمر طويلًا في ذلك الجهد. عالمنا المتسم بالقسوة يتطلب “الترشيد في استخدام الموارد (5)” – وهو الاستخدام الأمثل والكفؤ للموارد المادية والذهنية المحدودة، موازنًا بين الفوائد (المنافع) المرجوة من العمل مقابل بذل الجهود المطلوبة. هذا الفكرة الثاقبة يمكن استيعابها من خلال “قانون الأقل جهد (3)” وتُختزل أساسًا إلى فكرة أنه في حال توفر الخيارات البديلة والمتكافئة، فإن الناس يفضلون الخيارات الأكثر سهولة. خلاف ذلك تبدو الحالة غير منطقية أو ببساطة، حمقاء.

إذا كان الأمر كذلك، لماذا الناس، بل وحتى الحيوانات (6)، غالبًا ما يعطون قيمة أعلى للعمل الشاق أو الذي يتطلب جهدًا أكبر دون أي مردود إضافي؟ لماذا الأشياء التي تتطلب جهدًا أكبر أو تلك التي يصعب الحصول عليها تعتبر الخيار الأعلى قيمة؟ أي شخص عمل بجد وبذل مجهودًا من أجل الحصول على شيء يعلم أن الجهد المستثمر في الحصول عليه يجعل المردود منه أحلى – سواء أكان ذلك يتعلق بالحب أو بالمهنة أو بالرياضة أو حتى بالطبخ [ما يعرف بتأثير إيكيا IKEA (7)].

هل يمكن أن تكون الإجابة على “مفارقة الجهد [الإفراط في بذل الجهد قد يأتي بنتائج عكسية بعض الأحيان] (8)” هي أنه في مثال الطائر الطنان، فإن القرار يتعلق بالجهد المطلوب في المستقبل، وفي تأثير إيكيا (7، 9)، حيث الجهد المبذول وقع في الماضي؟

نتائج دراستنا الجديدة تبين الظواهر المتناقضة على ما يبدو في الحياة اليومية. فيما يتعلق بمجال الرعاية الصحية، البدء في ممارسة تمارين رياضية يبدو جهدًا غامرًا لا يُتحمل حين يكون التركيز على التمارين الآتية (في المستقبل)، ولكن بعد رسوخ هذه العادة، تصبح تلك التمارين نفسها مصدرًا للإنجاز. أما ما يخص مكان العمل، فقد يتجنب الموظفون تعلم مهارات جديدة وصعبة، ولكن بعد إتقانهم إياها، يعطون قيمة أعلى لقدراتهم المحسنة، وذلك لأنهم وجدوا صعوبة أثناء اكتسابها

ما بقي مجهولًا

أقوال مثل “لا ثمر بلا عمل (من زرع حصد)” أو “ما كُسب بسهولة ضاع بسهولة” تتردد في لغتنا المحكية وتبدو ضرورية لثقافتنا. لكن الباحثين ما زالوا لا يفهمون تمامًا لماذا يعطي بعض الناس الخيارات المجهدة (التي تتطلب جهدًا) قيمة أكبر مما يعطبها آخرون. هل هي القدرة البدنية، أو الخبرات السابقة، أو الشعور يمعنى أو أهمية الحياة (10)، أو تصور الصعوبة كأهمية [تصور الهدف الذي يسعى إليه أن له قيمة رغم صعوبة تحقيقه]، أو تصوره مستحيل التحقق (11)، أو اعتبار أن للجهد المبذول قيمة [بذل الجهد لتحقيق الهدف محترم عند الناس من ناحية أخلاقية (12)]، أو المعتقدات الثقافية المعينة بشأن العمل المجهد؟ نحن لا نعلم أيها بعد (13).

نحن نتناول بالدراسة الآن كيف يؤثر الجهد في جوانب مختلفة من القيمة: القيمة النقدية؛ أو قيمة المتعة (اختزال قيمة الشيء في مقدار ما يجلبه من متعة) (14)، كما هو الحال في المتعة التي يحصل عليها المرء من الأدوات المنزلية؛ أو القيمة الجمالية (ما يجلبه الجمال من متعة) (15)، كما في الإحساس أو الشعور بالجمال والفن (16). على سبيل المثال، نتناول بالدراسة مدى تقدير الناس لفن الخط (17) بعد بذل جهود مختلفة لمشاهدته والاستمتاع به.

قد يسلط هذا العمل الضوء على الظواهر الثقافية الغريبة، مثل كيف يقدر الناس تجربتهم في مشاهدة لوحة موناليزا الفنية في متحف اللوفر بعد انتظار في الطابور لساعات طويلة. يمكن أن تساعد هذه الدراسات أيضًا الباحثين في تصميم أنظمة تحفيزية أفضل في كل من مجالات التعليم والرعاية الصحية والأعمال.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/xge0001738

2- https://przemyslawmarcowski.com/projects/dual-power/

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مبدأ_أقل_جهد

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/طنان_(طائر)

5- https://www.annualreviews.org/content/journals/10.1146/annurev-neuro-072116-031526

6- https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S0003347201919001

7- https://adnan-alhajji.blogspot.com/2024/02/ikea.html?m=1

8- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC6172040/

9- https://myscp.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1016/j.jcps.2011.08.002

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/معنى_الحياة

11- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/36861424/

12- https://gwern.net/doc/economics/2022-celniker.pdf

13- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1364661322002376

14- https://iep.utm.edu/hedonism/

15- https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-94-007-0753-5_3349

16- https://ar.wikipedia.org/wiki/فلسفة_الجمال

16- https://ar.wikipedia.org/wiki/فن_الخط

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/hard-work-feels-worth-it-but-only-after-its-done-new-research-on-how-people-value-effort-252684

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى