إيحاءات قرآنية (الجزء الأول)
السيد أمير العلي
المرونة وسعة الصدر ورحابة الأخلاق شروط لنجاح القائد -وكلّ فرد هادف- في المحافظة على مشاريعه، وتنمية كوادرها وقاعدتها الشعبية، وهذه مهمّة مشروعة ومطلوبة، لا تتحقّق بالدرجة العالية إلّا إذا انطلقت من الذات، بعفوية طبعية غير متكلفّة.
وإنّ الاهتمام بالرسالة والجدّية في الدعوة لها لا تساوي الشدّة في التعامل مع أخطاء الكوادر والأفراد، فالرسالة مهما كانت إلهية صادقة تحتاج إلى من يقوم بمسوؤلية تنفيذها، والتفريط في هؤلاء من غير مبرّر تفريط في الرسالة نفسها.
ثمّ إنّ سوء الخلق وقساوة أساليب التعامل ناتجة عن خشونة قلبية روحية، ولا يمكن للقائد فضلاً عن غيره أن ينجح في علاقاته الاجتماعية ما دام مبتلى بجفاف الروح ويبوسة القلب!
نعم؛ من المتوقّع جدّاً وقوع الكوادر وأفراد القاعدة الشعبية في أخطاء، بعضها قد تكون جسيمة، وهم في هذه الحالات يحتاجون إلى احتواء لا رفض، وإصلاح لا نبذ، لكنّه احتواء يمكننا تسميته بالاحتواء الإصلاحي، وهو الذي لا يكون بتجاوز أخطائهم وكأنها لم تقع، بل يكون من خلال العمل على إصلاحها، وإعادة تأهيلهم، ليكونوا محلّاً لعفو الله ومغفرته وعنايته.
ومن مظاهر هذه الرحمة الاحتوائية فنّ الاستماع، بأن يستمع القائد وغيره إلى وجهات نظر من يراهم مخطئين غير معاندين، من أجل الوقوف على خلفيات مواقفهم أحياناً، أو من أجل مجرّد إشعارهم بحضورهم، واعتنائه بهم في أحيان أخرى..
لكنّ احتواء القائد لأتباعه، واعتناء أيّ فرد بالمحيطين به، لا يعني بالضرورة أن يقبل آراءهم ويتبنّاها، فكلّ فرد حرّ في قرارته الفردية، وأمّا القرارات الكبيرة فهي مسؤولية لا يقوم بها إلا القائد، وهو في ذلك بحاجة إلى استمداد العون من الله تعالى، في تنفيذ ما يصل إليه، وتنعقد عليه عزيمته.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ،)
(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ،فَإِذَا عَزَمْتَ* *فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
*سورة آل عمران؛ ١٥٩.*