الصلاة جماعة
مها البن صالح
كلما ارتفع النداء “حيّ على خير العمل” قمنا إلى الصلاة استجابةً للواحد القهار. راجين منه نصيبا من استجابة الدعاء وقبولنا في عباده المقرّبين المرضيّين.
ومع الجائحة التي يعيشها العالم أغلقتْ المساجد احترازا، ومنعتْ الصلاة جماعة ـ فلزم كلٌّ بيته.
ونودي بمكبرات الصوت أن الصلاة في البيوت، وأصبحت الصلاة جماعة فجأة حلما وذكرى.
ولكن هل فقدنا مفهوم الجماعة بفقد الصلاة جماعة؟ راودني هذا السؤال وأنا على سجادتي أتأمل حالنا الذي لم يخطر على بال أحد، مهما اتسعتْ مخيّلته.
ما الجماعة التي لن تفارقني مهما تغيرت الظروف، وسأبقى أصلي معها، بل ولن أخاف منها مهما ساءت الظروف الصحية.
واهتديتُ إلى الجواب: الصلاة التي نؤديها بشكلها الحقيقي هي صلاة جماعة.
كم مرة شرعنا في الصلاة جسداً لكن الروح مشغولة في عالم آخر. والعقل تائه في حسابات لا أول لها ولا آخر.
كم مرة قمنا إلى الصلاة والقلب يتقلب بين حب وكره
كم مرة بدأنا الصلاة والعين لا ترى أمامها إلا آخر لقطات المسلسل أو ما كانت تتصفحه في وسائل التواصل الاجتماعي.
أيّ أنانية أن استدعي للصلاة جسدي فيقف ويركع ويسجد تاركة ما بقي مني حراً طليقاً بلا رقيب ولا حسيب.
أين الجماعة الباقية مني؟ أحاول اصطيادهم لحظة وقوفي بين يدي الله، لكن بلا فائدة، لأنهم ابتعدوا عني كثيراً. أقول لنفسي إذا كبّرتُ سيأتون طائعين.
لكن هيهات، أنهيت صلاتي وحيدة، بلا روح ولا عقل ولا قلب ولا حواس. ضاعت جماعتي.
عقدت معها اجتماعا وذكرتها بأهمية الصلاة جماعة، فطالبتني بالتحضير المسبق لها. لا أن أطلبها في ضيق الوقت، لأنها ستكون مشغولة بمسؤوليات والتزامات أخرى.
وهنا انتبهت إلى أنني أنا من ضيعت جماعتي وشتتّها في أصقاع الأرض. فأبرمت اتفاقا مع جماعتي:
قبل موعد الصلاة بربع ساعة نترك كل ما لدينا من التزامات ونلزم الهدوء والسكينة.
وقد طالبتهم بأن يتفقدوا بعضهم. الروح تتأكد من طهارة العقل والقلب والحواس. والعقل يتأكد من جاهزية الروح والقلب والحواس. والقلب يتأكد من إنهاء كل التزامات الروح والعقل والحواس. والحواس تتأكد من حضور الروح والعقل والقلب.
فاكتملت جماعتي وصلينا جماعة.