خير يا طير
علي السلطان
البعض متكئ على أريكة ماضيه، وكلما قلت شيئاً قال سبقناك من عشر سنين، وكلما تحدثت عن شيء قال قلناها قبلك من عشرين سنة، وكلما اقترحت شيئاً قال نادينا به قبل ثلاثين سنة، حتى أن أحدهم ذات مرة ذكر عدد سنين لمقترح نادى به، ولما طرحنا الأرقام وجدنا أن عمره آنذاك سبعة أعوام، فهل كان الرقم خبط عشواء؟! أم بعض الأمر ادعاء؟! ؟! ولا عجب، فالنبوة أحياناً تُدَّعى.!! والمهدوية مثلها إلى يومنا هذا!!.
مثل هذا النوع يوهمك ومن حولك أنك لم تأتي بجديد، فكل جديدك هو قديم عنده، وكل مبادراتك قد تحدث بها قبلك، وكل أفكارك قد سبقك إليها بسنين، لكنه في الواقع ستجد بعض آثار ما قاله، أو اقترحه، أو نادى به – وليس كله – وعليه فلن تجد الكثير منه على أرض الواقع، هذا إذا كان صادقاً في مقولته، لأن معظمه كان أشبه بحديث مجالس، ولربما سبقه إلى ذلك سابق، سواء سمع به وتجاهله أم لم يسمع، أما أنت فقد حولت القول إلى عمل، وأحلت الاقتراح إلى واقع، وجعلت من المناداة مبادرة، سواء بتفعيل شخصي، أو عن طريق جهة أهلية أو رسمية، وكلفك ذلك الكثير من الجهد والمتابعة، ليخرج أحدهم من خلف وسادة قنوات التواصل الاجتماعي، أو عبر الاستراحات والديوانيات مدعياً أنه أول الأولين، ليمرر على بعض أفراد المجتمع ذلك الادعاء.
مثل هذه الفئة لا تلام كثيراً، فهي تظن أنها الوحيدة القادرة على التفكير، وطرح الآراء والمقترحات، لأنها ترصد فقط ما تقوله هي، ولا ترصد ما يقوله من حولها، لذا ما إن تخرج فكرة للعلن إلا وينبري أحدهم ليصرح بأسبقيته.
لا شك أن مثل هذه الحالة يدرك خطرها بعض أفراد المجتمع، لكنها تغيب عن البعض الآخر، ولو كان الدكتور علي الوردي بيننا اليوم، لاغتنمها فرصة، واعتبرها ظاهرة، وأفرد لها كتاباً.