الشعر والحوار الثقافي ضيفا خيمة المتنبي
رجاء البوعلي: الأحساء
بحضور نخبة من كِبار الشعراء والمثقفين والإعلاميين في خيمة المتنبي بالأحساء، تألقت القصيدة شعرًا ونثرًا، فقد حضرت متوهجة بكل أشكالها وأنواعها، وقد أخذ الحوار الثقافي نصيبه من هذا اللقاء النوعي، جاء ذلك إثر زيارة ثقافية نظمها ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام لأعضائه وعضواته مساء الجمعة الماضية، إلى مقر الخيمة بحضور أعمدتها متمثلة في رئيسها الأستاذ جاسم الصحيح، والتي تضم في عضويّتها الشعراء: ناجي حرابة، جاسم عساكر، حسن الربيح، إبراهيم بوشفيع، السيد عبدالمجيد الموسوي.
في البداية، رحب الأستاذ الشاعر جاسم الصحيح، رئيس خيمة المتنبي بالضيوف الشعراء والشاعرات، وأثنى على مبادرة ابن المقرب الأدبي بالدمام والذي حضر بنخبته الشعرية، وعلى رأسهم الشاعر الكبير السيد هاشم الشخص، راعي ملتقى ابن المقرب، والرئيس الحالي الأستاذ الشاعر أحمد اللويم.
وتحدث الأستاذ الصحيح عن ” خيمة المتنبي ” كمؤسسة ثقافية حملت على عاتقها تقديم الكفاءات الشعرية الجديرة بالظهور على الساحة الأدبية، وأكد على دعمها للطاقات التي لم تأخذ نصيبها المُستحق من الحضور الإعلامي والبروز، وفي سؤالٍ للإعلامي الأستاذ عبد الرحمن العصيمي – من قناة العربية – عن قدرة الأحساء على الإنتاج الإبداعي باعتبار ” الأحساء ولّادة”، أجاب الصحيح بأنه لا شك في ذلك والقادم سيكشف عن المزيد من الضوء والولادات التي لن تنضب.
وكان للحوار الثقافي نصيبًا وافيًا، حيث تطرقت الأديبة الأستاذة رجاء البوعلي إلى موضوع ” المسئولية الثقافية ودور المرأة ” مُشيرة إلى تباين الدور الثقافي – في الماضي – بين المراكز والأطراف، ومُعتبرة أن الوقت قد حان لكي تتحمل المؤسسات الثقافية الأهلية المسئولية وتقوم بالدور المأمول منها.
وفي هذا السياق، رأت البوعلي أن قضية المرأة كوجود ودور موكلة للمؤسسة المعنية بالأمر، فالمنشآت الطبية معنية بالمرأة ككادر طبي، وتأتي المرأة في بيئة التعليم ضمن مسؤوليات وزارة التعليم ومؤسساتها، وعليه، اعتبرت أن قضية المرأة – في الوسط الثقافي – لابد أن تكون في أولويات المؤسسات الثقافية – الأهلية تحديدًا – باعتبار أن المؤسسات الرسمية شرعت في دعم المرأة على المستوى الوطني والعالمي.
وفيما يتعلق بالعلاقة الاجتماعية وثقافة البيئة، ذهبت البوعلي إلى فكرة الأصوات المؤثرة في المجتمعات، ورأت أن المجتمع الأحسائي -باعتباره مجتمعًا محافظًا- سيسمع صوت المؤسسة الأهلية الثقافية – المحافظة – نظرًا للمتشابهات التاريخية للمنطقة، كالظروف الدينية والاجتماعية وكذلك الأفكار والعادات والتقاليد المتأصلة في ضمير المجتمع الواحد.
وتفاعل جمهور الشعراء والشاعرات تحت سقف خيمة المتنبي تفاعلًا إيجابيًا متنوعًا مع الحوار، فجاء تعليق الأستاذ الكبير جاسم الصحيح بالتأييد والموافقة على ما جاء في طرح البوعلي، وأكد على إيمانه بضرورة تعاون ومشاركة كلا الرجل والمرأة على حدٍ سواء. وبالرغم من إشارته للتحفظات الاجتماعية – لدى بعض رواد العمل الثقافي – والتي أثرت على الثقافة المحلية فيما يتعلق بالمرأة، لكنه بالمجمل يؤيد دور المرأة الثقافي بصفة كاملة.
من زاوية أخرى؛ رأى الإعلامي الأستاذ عبد الرحمن العصيمي بأن الزمن المعاصر لم يدع مجالًا لحجب المرأة، فالأبواب كلها أصبحت مُشرعة لها ووسائل التواصل الاجتماعي أبرزت كثيرًا من الطاقات والكفاءات النسائية السعودية في مختلف الحقول، كما أنه أشار لحضور المرأة في مجال الأدب والشعر على مستوى لافت وباقٍ في سجل التاريخ الشعري، وقد تجلى هذا النموذج في الشاعرة نازك الملائكة وما لها من دور مازال مؤثرًا ومركزيًا في تاريخ الشعر العربي.
من جانبهن؛ أبدت الشاعرات الحاضرات تأييدًا وعبّرن عن عدم جدوى إنشاء مؤسسات ثقافية نسائية فقط، لما في ذلك من حجز وتأطير للإبداع والأدب، الذي هو مجال إنساني شامل لكلا الجنسين.
ومن الناحية الشعرية، تألقت القصيدة شعرًا ونثرًا، فأفتتح الشاعر الكبير جاسم الصحيح بقصيدة عن الأحساء:
تزكو بأرواحنا للحقل راحةٌ
حتى نرى أصلنا فيها ومعنانا
فما تقطع شريانٌ يعود بنا
إلى ربيعة أو عرقٌ لعدنانَا
كأنما آل عبد القيس قد نصبوا خيامهم في تلالٍ من حنايانا
وأشعلوا أصلهم فينا ومن حذر
أن ننطفي (طبنونا) فيه نيرانا
لا ننكر الأمس قد عشنا قرامطةً
حينا وعشنا عيونيين أحيانا
عشنا القبيلة دالت عبرها دول
من آل عصفور حتى آل جروانا
عشنا البداوة هبت من مضاربها
عن آل جبر سلاطينا وسلطانا
واسّاقطت هذه الأسماء ما بقيت
لنا سوى همزة الأحساء نيشانا
ثم ألقت الشاعرة نورة النمر نصًا بعنوان ” هدىً ورحمة “:
من جنة الخلد قدْ أُوحِيتَ للذّكرى
فَأُكْمِلَ الهدْيُ مُذ جاءَ النِّدا (إقرا )
هطلْتَ من غيمةِ الجنات فانعَقَدَتْ
في نبضِنا قصةُ المِعراجِ والمسرَى
حكايةُ الكونِ مازالتْ على على لَهَفٍ
من سدرةِ المنتهى تستلهِمُ السرّا
(لاريبَ) فيك ضياء زُفّ في لغةٍ
ففي رحابِكَ نرْقى جنّةً أُخرى
وحضر المعنى في قصيدة الشاعر علي النمر، قائلًا:
كئيبةٌ سيرةُ المعنى على شَفَتي
وحاسرانِ لديَّ: الشِّعر ُو الهدفُ
أُحسُّ أنَّ سرابَ القصدِ يَملؤُني
وأنَّني خلفَ هذا القصدِ مُختَطَفُ
أحشّدُ الشيءَ و اللاشيءَ مُنتَهَكًا
و حوليَ انزاحَ مِنْ إيمانِهِ الشَّغَفُ
أَسيرُ، زَوَّادَتي همِّي، كأنَّ على
خواصِري يُولَدُ المجهولُ والصُّدَفُ
وفاض الشوق المتوجع في قصيدة الشاعرة مريم العيثان:
الشوق يعبث بي غداة فلاةِ
لأهز طرفا طامي العبرات
فإذا بأشجاني نمت أوراقها
نسجاً يليق بمهجتي ورفاتي
وإذا بذاكرة السراب تناهضت
لتصول حتى تقطع الحسرات
فلربما حازت ببضع غنيمة
تشدو بها فرحاً ينير حياتي
وتوهج الشعر الشعبي بطراوته، ليقدم الشاعر باسم العيثان مقطوعة عاطفية، تطفح بالأشواق:
اركض ورى اميتّك
والگــاه سراب المي
و اذكر أيام المضت
گـلت انت حاتم طي
بيك انا يالما تحن
لا ميت ولا حي
وجاءت قصيدة الشاعرة فريال الرشيد، مُحركة لروابط الدم ومُشيرة لعلاقة الأخوّة، قائلة:
الأخوة مو نشيد بهالورق
في مدارس هالحياة انردده
مو حچي مصفف على سطور الكتب
أي مقالة ابكل بساطة تنقده
وماهي مجموعة مشاعر تنرسم
بالقلم او مسطرتنا اتحدده
مو قلادة مخزنة ابدرج الزمن
بس نعلقها اذا الهم ابتدى
وقد حضرت قصيدة النثر، بنصٍ إبداعي قدمته الأستاذة رجاء البوعلي، استوحته من حدث تكون الجنين في الرحم ولحظة الولادة:
طائرٌ حرٌ أيها الجنيني
بين جدراني الضيقة
قادمٌ من بحر الما وراء
غارقٌ في العومِ
والموج يهتفُ للمدى بُشراه
“روح” تشاهت للوجود،
فاستفاقت
مُتعثرة خلفَ أسوار العدمِ
متأثرة بالتكونِ والتخلقِ
والولوج ِ في ثنايا الوقتِ
ولم يغب الشعر الحداثي من جدران الخيمة، حيث ألقى الأستاذ محمد الشقاق نصوصًا مُختارة من ذاكرته لنخبة من أدباء الحداثة السعودية كمحمد العلي ومحمد الثبيتي، وقد لاقت اختياراته استحسان الحضور.
وقد حضرت القصة القصيرة جدًا بمشاركة الأديبة الأستاذة مريم الحسن بقصة ” عزيز قوم”:
غفا وانتشى بأحلامه، الأقدار تحيك له ثوب النهاية، ارتداه وانتعل الطريق. – من يعيرني فردة حذاء …؟
وأختتم الشاعر حمزة الحسن هذا المساء الشعري البديع بقصيدة شعبية نبطية وطنية، حملت بأكفها راية الوطن وتغنت بحبه المتأصل في جذور الإنسان المُخلص لهذه الأرض:
الله اللي رافعك من دون خلقه
يكفي أنك حاويٍ مكة وطيبة
مهبط الوحي الإلهي والرسالة
ومنشأ ومسرى رسول الله وحبيبه
يا شموخ طويق يا تاج المعالي
كالجبال الشم ممنوعة وعصيبة
يا أجا وسلمى ومجاهلها وسهلها
يا ربع خالي وخفاياه الرهيبة
أنت يا مهد الذهب توعد وتوفي
خيرك يعم الخلايق وتحري به
جديرٌ بالذكر؛ أن هذه الزيارة هي واحدة من مبادرات الملتقى لتكثيف المعرفة الثقافية للأعضاء والعضوات، ولتفتح لهم آفاقًا أكبر على مستوى التواصل الثقافي بتراث المنطقة ومؤسساتها الأدبية والتاريخية.