صالح المرهون
من هو الفقيد المحتاج؟
كل من مات فهو فقيد محتاج إلا ما ندر، والأمر غير محسوس بالنسبة للأحياء، فلو كشف لهم أي للأحياء الغطاء لوجدوا ورأوا شدة حاجة الموتى، فأشد الحاجة هي ما بعد الموت عندما ينقطع الإنسان عن أعماله الاختيارية، وهذا حال الموتى بشكل عام، وهو حال يرثى له، وحاجة الموتى معروفة، إذ كل بر يصنعه الإنسان هدية لهم ويتقبلها الله فهو نافع، وقد يكون أقل القليل دون كلفة مادية، قراءة الفاتحة مثلًا أو الصلوات على محمد وآله أو الاستغفار، أو الصدقة وإن قلت هي أنفع من هذا كله، والميت ولا سيما المقطوع أو الذي لم تدركه رحمة محمد وآله، بالقدر الذي أدركت غيره تراه متلهفًا لأي شيء يصل إليه من الدنيا، وتخيل أنت حال المؤمنين هناك واعرف حال غيرهم، فهؤلاء المؤمنون قريبون إليك ولكنهم لا يصلون كما تصلي، ولا يدعون كما تدعي، بل قد لا يتكلمون كما تتكلم، ولكنهم على صراط الله المستقيم لكل البشر في كل زمان وفي كل مكان.
روي أن الرسول الأكرم محمد(صلى)
قوله: إن أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم ينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكين: يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي ويا رحمي! اعطفوا علينا يرحمكم الله بالذي كان في أيدينا والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا، وينادي كل واحد منهم إلى أقربائه: اعطفوا علينا بدرهم، أو برغيف، أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنة، ثم بكى النبي(صلى) وبكينا معه، فلم يستطع النبي(صلى) أن يتكلم من كثرة بكائه، ثم قال: أولئك إخوانكم في الدين، فصاروا ترابًا رميمًا بعد السرور والنعيم، فينادون بالويل والثبور على أنفسهم، يقولون: يا ويلنا لو أنفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه ما كنا نحتاج إليكم، فيرجعون بحسرة وندامة، وينادون:أسرعوا صدقة الأموات.
يمكنكم استكشاف حال الموتى من خلال كثرة بكاء النبي الأكرم رحمة وشفقة عليهم حتى أنه لم يستطع أن يتكلم من كثرة بكائه، فأي حال هذا! وأيضًا مدى أهمية الإنفاق والصدقة في الحياة الدنيا قبل الممات، وأهمية الصدقة عن الموتى.
واعلم أن الصغير أو الجنين وإن خرج من الدنيا غير ملوث بالذنوب وتبعات الدنيا، ولكنه يحتاج إلى الصدقات والأعمال الحسنة لا لتنقذه من شيء بل لترفع درجته وتدخل عليه الراحة والسرور، وهذا أمر مغفول عنه عند الكل تقريبًا، فنادر ما يذكر الولد الصغير أو الجنين الميت بشيء من تلك الأعمال، والحقيقة أن هذا الطفل الميت إضافة إلى سروره وراحته لما يصله من ثواب صدقة مثلًا فإنه يتفضل من رصيده من هذه المبرات على الآخرين من المحتاجين في عالم البرزخ.
