حجة ومدينة يالله! .. تأملات قلم ساخر
إيمـان الموسى
في ليلة النصف من شعبان يحتفل أهل الخليج، وبعض الدول العربية مثل مصر، ولبنان، وسوريا.
فيطلقون الأهازيج والأناشيد معلنين (ناصفة حلاوة)، ويفرح الأطفال بلبس الزي التراثي الشعبي الجميل، وتزين الشوارع والمنازل، وتجهّز الحلويات والأطعمة لتوزيعها على المارة في الشوارع، والأطفال الذين يطرقون أبواب البيوت.
ويبقى هذا الكرنفال السعيد خالدا في ذاكرة الأطفال.
أما التقاط قلمي الساخر بهذه المناسبة الجميلة -أعادها الله علينا وعليكم وأنتم طيبين- فهي ذكرى من طفولتي.
كان عمري 7 سنوات، وقبل النوم كنت أحدث نفسي عن يوم غد، وأتذكر الاستعدادات والزينة المعلقة بالجدران في المنازل التي نمر عليها، وروائح البخور وماء الورد يرش علينا، وصوت الهلاهل والتصفيق، والأهازيج التي يرددها الأطفال (حجة ومدينة يالله لقمة وسمينة يالله.. عطونا الله يعطيكم .. وبيت مكة يوديكم)، وأنواع الحلويات التي نجمعها بكميات كبيرة في ذاك الكيس الذي خيطته أمهاتنا بحب، لنعلقه فوق الكتف ونتباهى أينا يجمع أكثر من الآخر.
ونجوب (الصكك) بحثا عن البيت الكريم في العطاء ولا نستحي من رجم البيت البخيل بكلمات اعزف عن ذكرها هنا. كنا أطفالا ونردد تلك الكلمات كالببغاء ونهرب.
بينما كنا نمشي مجموعات أشّر أحدهم على أحد المنازل بأن توزيعاته شراب الفيمتو، وكنا عطاشى من الحر والمشي مسافات طويلة، ذهبنا ركضا إلى ذلك المنزل وشربنا الفيمتو المفضل باردا (يسرسح)، ثم رجعنا إلى بيوتنا بعد يوم ملؤه الفرح والسرور، وبأكياس مليئة بالغنائم.
والحديث كله شجون عمّا سنفعله بهذه الحلويات، والتخطيط لتناولها لمدة أيام. وبينما نحن مندمجين في هذه الحال وإذا بهجوم أولاد أشرار، باغتونا وسحبوا بسرعة فائقة أكياسنا المعلقة برقابنا وهربو!! فلم نلتفت إلا لنرى غبار أرجلهم.
يا الله! ذهب الكيس ومعه التعب وحصيلة ذلك اليوم! فكيف سننتظر حتى السنة القادمة! وتبخرت الأحلام بتناول هذه الغنيمة على امتداد أسبوع كامل.
جلسنا على الأرض نبكي حرقة وألما، كمن عزيزا على قلبه. ورجعنا نجرّ أرجلنا خاسرين، وفوق هذا عوتبنا لماذا لم نمسك جيدا بأكياسنا!
لكن روح التعاطف عند الأطفال كانت جميلة جدا. شكلوا مثل الجمعية التعاونية، وعقدوا بينهم معاهده لعمل مفاجأة لي!!
أحضروا كيسا ووضع كل واحد من حصيلته ما تجود به نفسه، حتى امتلأ ذلك الكيس وألبسوني إياه عوضا عما خسرته. فبانت على أسارير وجهي الابتسامة، والفرح والامتنان.
لم أنسَ ذاك اليوم، وكل سنة في ناصفة شعبان تعود بي الذكرى، وأحكي لهم تلك القصة كما حكيتها لكم الآن.