ذاكرة العقاب(٢)

رباب حسين النمر
تدخل الصف متجهمة الوجه، عابسة، وخطوات مخيفة وكأنما قدميها تزلزلان الأرض، نستمر في مقاعدنا وترتجف قلوبنا الصغيرة، يلجمنا الخوف ونحن نراقب تلك الأدوات الخشبية الضخمة التي تحملها معها، تضعها على سطح المكتب وتقول جملتها التي تنخلع لها القلوب (طلعوا الواجب) وكأنما بعد هذه العبارة سنسير على الصراط المستقيم الذي هو أدق من الشعرة وأحدّ من السيف! نخرج دفاترنا من الحقائب ونفتحها بحركة سريعة على صفحة الواجب ونضعها أمامنا حيث تمر المعلمة بين أدراجنا، ويا ويلها يا سواد ليلها اللي ما حلت الواجب .. حيث تلتقطهن المعلمة كما يلتقط الطائر الحب، ليقفن صفًا أفقيًا بجانب السبورة.
وهنا تبدأ حفلة العقاب (وجاك الموت يا تارك الواجب)! تصرخ فيهن المعلمة (افتحي إيدك يا بنت افتحيها).. تغمض فتاة الصف الثاني الابتدائي عينيها المرعوبتين، وتفتح يدها .. لتهوي المعلمة بحد مسطرتها الخشبية على يد الفتاة التي تصرخ ويصعد الدم إلى قمة رأسها من شدة الألم، وإن حاولت أن تغلق يدها تصرخ فيها المعلمة(افتحي إيدك وإلا والله أضربك أكثر يللا افتحيها) ولا تنتهي حفلة العقاب إلا وقد احمرت يد الفتاة من شدة الضرب، وتيبست في ذلك الطقس المتجمد البارد، وهكذا تفعل حتى ينتهي الصف الواقف أمام السبورة .. كنا نتمنى حينها لو تلقت زميلاتنا الضرب بظهر المسطرة الخشبية ليقل الألم.. أنفاسي تنحبس أثناء مراقبة هذه الفقرات البغيضة، الخوف يلجمني ويغلق كل مسامات الفهم في دماغي، أذناي عاجزات عن التقاط صوت المعلمة عندما تشرح.. الخوف فقط هو سيد الموقف، وعقدة يصنعها ذلك الخوف صنعا في قلوب تلك التلميذات الصغيرات من مادة الرياضيات. …. يتبع