دعاء النور الرمضاني لقضاء الحوائج: إضاءات وتجليات

د. حجي الزويد
رياض الدعاء في شهر رمضان تمتد إلى مساحة واسعة، فهناك أدعية بعد الصلوات و هناك الأدعية النهارية والليلية وأدعية السحر، ومن بين ذلك أيضًا أدعية الإفطار، بعضها مختصر وبعضها مطول، كي يأخذ منها الإنسان بقدر استعداده وإمكاناته.
إن فترة الإفطار هي محطة عبادية يتزود فيها العبد طاقة نورانية روحية، وينبغي أن يعيشها الإنسان، مستشعرًا فيها نعمة الله العظيمة عليه بأن وفقه لإكمال صيام يوم كامل، وفتح أمامه باب الدعاء ليدعوه بما يريد من مطالب الدنيا والآخرة.
إن الاهتمام بفترة الإفطار اهتمامًا خاصًا، هي من الأمور التي تزيد من كمال الصوم، وتهيئ الإنسان للحصول على مزيد من العطايا الإلهية، ولا سيما في ليالي القدر المباركة، حيث أن الروح أصبحت أكثر شفافية وأكثر قربًا من ساحة الفيض الإلهي.
يقول السيد ابن طاووس – قدس سره – في الإقبال:
” اعلم أن للصائم معاملة كلف باستمرارها قبل صومه ومع صومه وبعد صومه، فهي مطلوبة منه قبل الإفطار ومعه وبعده في الليل والنهار، وهي طهارة قلبه مما يكرهه مولاه واستعمال جوارحه فيما يقربه من رضاه، فهذا أمر مراد من العبد مدة مقامه في دنياه، وأما المعاملة المختصة بزيادة شهر رمضان فإن العبد إذا كان مع الله جل جلاله يتصرف بأمره في الصوم والإفطار في السر والإعلان، فصومه طاعة سعيدة وإفطاره بأمر الله جل جلاله عبادة أيضًا جديدة، فيكون خروجه من الصوم إلى حكم الإفطار خروج ممتثل أمر الله جل جلاله وتابع لما يريده منه من الاختيار، متشرفًا ومتلذذًا كيف ارتضاه سلطان الدنيا والآخرة أن يكون في بابه ومتعلقًا على خدمته ومنسوبًا إلى دولته القاهرة، وكيف وفقه للقبول منه وسلمه من خطر الإعراض عنه وإياه..”(١)
كنوز مجهولة:
إن من بين تلك الكنوز القيمة التي وردت عن طريق بيت العصمة عليهم السلام، هو دعاء النور المختص بالإفطار في شهر رمضان، وهو دعاء عظيم، زاخر بكثير من المعاني الروحية والنورانية والتربويّة.
ورد ذكر هذا الدعاء في كتب الأدعية المعتبرة ككتاب الإقبال وغيره، وقد أشار إليه العلامة القمي في مفاتيح الجنان، دون أن يذكر متن الدعاء.
من الجميل، هو اهتمام كثير من المؤمنين- في الوقت الحالي وقبل سنوات – بالمواظبة على هذا الدعاء قبل الإفطار.
مزايا هذا الدعاء:
هذا الدعاء من أدعية تسهيل الحوائج الدنيوية والأخروية، وبه محطات إيمانية تزيد من نورانية الروح.
عن الإمام الصَّادِقُ عليه السلام، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا أَبَا الْحَسَنِ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ أَقْبَلَ فَاجْعَلْ دُعَاءَكَ قَبْلَ فُطُورِكَ، فَإِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام جَاءَنِي، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى [لَهُ] دُعَاءَهُ، وَقَبِلَ صَوْمَهُ وَصَلَاتَهُ، وَاسْتَجَابَ لَهُ عَشْرَ دَعَوَاتٍ وَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ، وَفَرَّجَ هَمَّهُ [غَمَّهُ] وَنَفَّسَ كَرْبَهُ [كُرْبَتَهُ] وَقَضَى حَوَائِجَهُ، وَأَنْجَحَ طَلِبَتَهُ وَرَفَعَ عَمَلَهُ مَعَ أَعْمَالِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ أَضْوَأُ مِنَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقُلْتُ: مَا هُوَ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ قُلْ:
” اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَرَبَّ الشفعِ الْكَبِيرِ، وَالنُّورِ الْعَزِيزِ وَرَبَّ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ، أَنْتَ إِلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَإِلَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا إِلَهَ فِيهِمَا غَيْرُكَ، وَأَنْتَ جَبَّارُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَجَبَّارُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا جَبَّارَ فِيهِمَا غَيْرُكَ، وَأَنْتَ مَلِكُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَلِكُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا مَلِكَ فِيهِمَا غَيْرُكَ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْكَبِيرِ وَنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ [الْمُنِيرِ] وَبِمُلْكِكَ الْقَدِيمِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي صَلَحَ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَبِهِ يَصْلُحُ الْآخَرُونَ، يَا حَيٌّ [حَيّاً] قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ [يَا حَيّاً] بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَاجْعَلْ لِي مِنْ أَمْرِي يُسْرًا وَفَرَجًا قَرِيبًا، وَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ وَإلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَاجْعَلْ عَمَلِي فِي الْمَرْفُوعِ الْمُتَقَبَّلِ، وَهَبْ لِي كَمَا وَهَبْتَ لِأَوْلِيَائِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، فَإِنِّي مُؤْمِنٌ بِكَ وَمُتَوَكِّلٌ عَلَيْكَ، مُنِيبٌ إِلَيْكَ مَعَ مَصِيرِي إِلَيْكَ، وَتَجْمَعُ لِي وَلِأَهْلِي وَلِوُلْدِي الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَتَصْرِفُ عَنِّي وَعَنْ وُلْدِي [وَالِدِي] وَأَهْلِي الشَّرَّ كُلَّهُ، أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، تُعْطِي الْخَيْرَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَصْرِفُهُ عَمَّنْ تَشَاءُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”(٢)
ثم تدعو بما تريد.
ينبغي للمؤمنين الاهتمام بهذا الدعاء، كما هو الحال في اهتمامهم بالأدعية الرمضانية الأخرى، فهو يزيد من قوة ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى، ويسهل عليهم قضاء حوائجهم، التي في طليعتها ما يشير إليه هذا الدعاء الرمضاني اليومي:
” اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَوَفِّقني فيهِ لِلَيلَةِ القَدرِ عَلى أفضَلِ حالٍ تُحِبُّ أن يَكونَ عَلَيها أحَدٌ مِن أوليائِكَ وَأرضاها لَكَ، ثمّ اجعَلها لي خَيرًا مِن ألفِ شَهرٍ وَارزُقني فيها أفضَلَ ما رَزَقتَ أحَدًا مِمَّن بَلَّغتَهُ إياها وَأكرَمتَهُ بِها، وَاجعَلني فيها مِن عُتَقائِكَ مِن جَهَنَّمَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النَّارِ وَسُعَداءِ خَلقِكَ بِمَغفِرَتِكَ وَرِضواِنِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.”(٣)
هوامش:
(١) (٢) (٣)كتاب الإقبال للسيد ابن طاووس