الخطاب الديني المتطرف تجارة بالدين
طالَما كنتُ على قناعةٍ قويَّةٍ أنّ أيَّ صاحب خطابٍ دينيٍّ متطرفٍ إنّما هو دجّالٌ يُتاجِرُ بالدين.
سواءً كانَ تطرّفهُ من جهةِ الإفراط بأنْ يدعو للتشدد، ونبذ الآخر، والطائفية، والإرهاب الفكري أو العملي، والاستغراق في الخصوصيات المذهبية الشاذة، ومحاربة أيَّ شكل من أشكال الالتقاء مع المختلِف دينيًا أو مذهبيًا وما إلى ذلك.. أو كان من جهةِ التفريط بأنْ يدعو لتمييع العقيدة بدعوى الانفتاح، أو إلغاء معالِم الالتزام الديني الطبيعية حفاظًا على التعايش، أو أنْ يَتنكّر لخصوصياتهِ المذهبية الثابتة لحساب الآخر أو ما إلى ذلك..
هذا وذلك، باستقراء التجارب يتّضحُ أنهما لا يؤمنان إلّا بمصالحهما الشخصية، فالأوّل وجد أنّ لغة الحقد الطائفي لغةٌ رائجةٌ عند شريحة واسعة من رعاع المجتمع يمكن تحريك مشاعرهم المذهبية بأدوات التباكي على المذهب والطائفة فاختارَ هذا المسلك وتزعّم فيه، فلا يهمّه حينها أن تشتعلَ النيرانُ في البيتِ الداخلي إذا كانَ طرفُ ثوبهِ سالمًا..
والثاني وجدَ أنّ منهج الميوعة الفكرية منهجٌ مقبولٌ عند مساحةٍ من المهزوزين نفسيًا، ويمكن من خلال توظيف عبارات جوفاء حول مفاهيم جميلة كالتسامح والانفتاح و… أنْ يستقطب هذا النوع من الجمهور فاختار أن يكونَ في هذه الزاوية، ولا يبالي حينها أنْ تتشوّه جمالية المفاهيم الخيِّرة أو أنْ تجدَ لها موقعًا مناسبًا تتحرّك فيه أو لا تجِد، فما بقِيَ عدّادُ المصلحة يعمل فلتذهب كل مبادئ التسامح والتراحم والتعايش والانفتاح إلى الجحيم..
كلا الرجُلَيْن لا يؤمن بزعيقهِ.. لذا سرعانَ ما ينقلب على عقبيه إذا وجدَ أنّ كفّة المصالح مالتْ إلى الجهة الأخرى..