أقلام

ماهي إسهامات النص الديني في حياتنا؟

الشيخ عماد الأسود

أطل علينا أحدهم بسؤال غريب يستفسر فيه عن مدى إسهام النص الديني في حياة الناس مقارناً بذلك بينه وبين نظرية فيثاغورس التي استفاد منها الناس اليوم في كثير من الصناعات والاختراعات في أيامنا هذه، وهذه المقارنة مع بعدها عن الواقعية إذ أن مجال الدين مختلف عن مجال الرياضيات إلا أنه لابأس بمناقشة ذلك وعرض مدى أهمية الدين في حياة الناس والعالم أجمع،
من المهم أن نعرف أنه لايمكن لفيثاغورس ولالغيره من العلماء والمفكرين والمبدعين أن ينتج ويفكر ويبدع إذا لم يكن في وضع نفسي وبيئي يساعده على الابداع والتفكير ويعتبر هرم ماسلو (على رغم ماعليه من ملاحظات)من أهم الرسوم البيانية في هذه الأيام للتعبير عن الاحتياجات الإنسانية لحياة كريمة حيث يرتب الحاجات الإنسانية من الأهم في قاعدة الهرم الى الأقل أهمية في أعلاه
وهنا سأتدرج حسب ترتيب هرم ماسلو من قاعدته إلى قمته مستشهدا على أمثلة لكل قسم من أقسام الهرم بنص ديني أو أكثر ليتضح كيف أن مارتبه ماسلو ماهي إلا أمور صرحت بها النصوص الدينية -التي استخف بها المتكلم- قبل قرون عديدة وكيف أن الدين اهتم بالفرد غاية الاهتمام ليجعل منه فردا منتجاً مبدعاً واهتم بالمجتمع والبيئة لكي تكون حاضناً وراعياً معيناً على الإبداع

المستوى الأول (قاعدة الهرم : الحاجات الفسيولوجية ) مثل التنفس والهواء والماء وهذه الأمور ليس للبشر دخل في تحقيقها ولكن النصوص الدينية تبين لنا أن نتعامل مع هذه الأمور كنعم تستوجب الشكر لله عزوجل
• قال تعالى (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
• وقال أيضاً(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

المستوى الثاني ( حاجات الأمان) وأمثلتها:
• السلامة الجسدية: وفيها أن القرآن نص على حرمة التعدي على أجساد الآخرين سواء بالقتل أو بغيره فأما القتل فقوله تعالى(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) وأما التعدي فمنعه الدين بل وأوجب القصاص حال الاعتداء حتى لو تضرر (سن) من المعتدى عليه ، فتأمل قوله تعالى(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
• الأمن الوظيفي: وأهم ما ينظر إليه الموظف هو أجره الذي ينتظره حسب العقد المبرم فتأمل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأعلمه أجره وهو في عمله وعنه (صلى الله عليه وآله): ظلم الأجير أجره من الكبائر
• أمن الموارد: حيث يأمن الإنسان على ممتلكاته من الاعتداء قال تعالى (ولاتعتدوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

المستوى الثالث : (الحاجات الاجتماعية ) وأمثلتها :
• الصداقة: حيث أنها من الأمور التي تزيد من ترابط المجتمع وثقة الإنسان بنفسه ونرى أن الشارع لم يغفلها فعن الإمام علي (عليه السلام):الصديق أقرب الأقارب وعنه (عليه السلام): (من لا صديق له لا ذخر له) و عنه أيضاً: (الأصدقاء نفس واحدة في جسوم متفرقة)
• العلاقات الأسرية وهل هناك تأسيس أعظم من تأسيس الإسلام للأسرة في ضوء التراحم والتعاطف والاحترام حتى أنه ليذكر حق الوالدين على الولد بعد توحيد الله مباشرة فانظر قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)
• وارجع الى نص رسالة الحقوق لترى حق الأب والأم على ولدهم وحقه عليهما وحق الأخ وحق الزوجة وهو غيض من فيض لايسعه هذا المختصر

المستوى الرابع ( الحاجة للتقدير) بحيث يعيش الانسان في المجتمع محترماً غير منتقص القدر وأي توجيه لذلك أدق من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فهو يمنع حتى من السخرية والاستهزاء بالناس لكي يبقي على ترابط المجتمع وتلاحمه فما بالك بما هو أعظم ولايسعه هذا المختصر

المستوى الخامس ( قمة الهرم: الحاجة لتحقيق الذات):ولاأروع في هذا المجال من كلمة الإمام الحسن عليه السلام (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا،واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)

غيض من فيض النصوص الدينية يبين لنا أهمية الدين ونصوصه في بناء الأفراد والمجتمعات وكيف أن الدين لم يغفل بناء الدنيا والسعي فيها وعمارتها والاهتمام فيها بالعلم والتعلم ولكن الهوى إذا غلب على الإنسان أعماه وأصمه وصيره لايرى النار على المنار ولا الشمس في رائعة النهار
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى