فلسفة التكنولوجيا ضرورة مجتمعية
بقلم: د خالد قطب
سألني صديقي المهندس المختص في البرمجيات والذكاء الاصطناعي سؤالًا استنكاريًا عن جدوى «الفلسفة»، وعن ما إذا كان لها أي تأثير مُلاحظ في حياتنا اليومية المعيشة! ولم يكتف صديقي بهذا السؤال، بل أخذ يتحدث بحماس لم أعهده عليه من قبل عن التطور الهائل الذي حققته التكنولوجيا، لا سيما في مجال الحوسبة الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي (الذي يركز على إنتاج محتوى معرفي وفكري يماثل المحتوى الذي ينتجه الإنسان نفسه، بل يتفوق عليه في أحيان كثيرة). وأخذ، أيضًا يعدد بالحماس نفسه، مظاهر التكنولوجيا الرقمية التي نجحت في تحويل مظاهر حياتنا المختلفة إلى بيانات ومعلومات.
لا ريب أن التكنولوجيا تمثل أداة لتحسين العالم من حولنا على المستويات: المادية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، فالتكنولوجيا هي امتداد لأعضاء الإنسان ووظائفه البدنية. فلا يمكن أن ننكر أن هناك ابتكارات تكنولوجية عدة غيرت من حياتنا المعيشة. فلا تخطئ العين مثلًا، التطور التكنولوجي الهائل في صناعة طائرات من دون طيار قادرة على تنفيذ أهدافها بدقة كبيرة، إضافة إلى الأسلحة الإلكترونية، والروبوتات التي يمكن أن تحل محل الإنسان في اتخاذ القرارات، وكذلك الروبوتات التي تحل محل الجنود في الحروب. ولا يمكن أن نتغافل عن التقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يُستخدم في تطبيقات عدة اعتمادًا على «التعلم الآلي»، و«التعلم العميق»، و«الشبكات العصبية الاصطناعية». ولا ريب في أننا قد لمسنا التقدم التكنولوجي المتسارع في مجال الطب والرعاية الصحية. فقد أصبحت عملية تشخيص الأمراض أكثر دقة وفاعلية من ذي قبل. وأصبح العلاج الجيني فعالًا بدرجة كبيرة. ولا يمكن أن نغفل أيضًا التقدم التكنولوجي في مجالات أخرى كالطاقة المتجددة، والفضاء، والصناعة، والزراعة، بل يمكن الزعم بأن التكنولوجيا أصبحت في عصرنا هي «النجم» الأوحد على الساحة لما تحمله من وسائل وأدوات تشكل حاضرنا، وسوف تشكل أيضًا مستقبلنا. بل تحظى التكنولوجيا باهتمام دول ومؤسسات أكثر من اهتمامها بالإنسان نفسه، فيُسلط عليها الأضواء، ويُعلن عنها وكأنها «طوق النجاة» الذي سوف يغير من عالمنا إلى الأفضل! باختصار، لا يمكن التغاضي، بأي حال من الأحوال، عن التطور الذي تشهده التكنولوجيا في مجتمعاتنا المعاصرة، والرسوخ الذي باتت تشكله في المجتمعات بحيث غدا من الصعب، أو شبه المستحيل العيش من دون التكنولوجيا.
ولكن على الرغم من الدور الجلي الذي تؤديه التكنولوجيا في حياتنا، إلا أن لها تبعاتها التي لا يمكن التغاضي عنها، أو إهمالها: فقد تجلب التكنولوجيا أشكالًا من النفع للإنسان، وتقدم حلولًا وجيهة لمشكلات اجتماعية تعاني منها بعض المجتمعات، ولكنها في الوقت نفسه، قد تؤدي إلى أخطار عدة، أو آثار جانبية واضحة ومُتَعمدّة خاصة عندما تكون مُحملة بأيديولوجيات مسبقة. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي التكنولوجيا إلى العزلة الاجتماعية نتيجة الاستخدام المفرط لها، وهو الاستخدام الذي يؤدي إلى ما يسمى بالإدمان الرقمي (خاصة الناتج عن تطبيقات وألعاب صُممت خصيصًا لهذا الغرض)، ولا يمكن تجاهل الدور السلبي الذي قامت به الميكنة في القطاعات الصناعية والخدمية عندما حلت محل الإنسان وقامت بأدواره الأمر الذي أدى إلى فقد الكثير من الموظفين والعمال وظائفهم في هذه القطاعات. ناهيك عن انتهاكات الخصوصية، وانتشار الجرائم الإلكترونية، وانتشار المعلومات الزائفة والمغلوطة.
سلطة هائلة
وقد تتحالف التكنولوجيا مع السياسة فتصبح سلطة هائلة لا يمكن إغفالها، لا سيما عندما تحدد السياسة أهدافًا معينة على التكنولوجيا تحقيقها. فالتكنولوجيا قد تكون أداة للسلطة السياسية من خلال كاميرات المراقبة، وبرامج التعرف على الوجه، وتطبيقات تتبع البيانات، واستخدام التكنولوجيا في التأثير على الرأي العام وتوجيهه (كما يحدث، على سبيل المثال في الإعلانات التي تستخدم بيانات المستخدمين لتحليل سلوكهم واهتماماتهم بحيث تُمكّن التكنولوجيا الجهات السياسية أو التجارية من تقديم إعلانات موجهة لتحقيق أهداف محددة مسبقًا)، وهنا جاءت أهمية «الفلسفة» التي امتدت في الآونة الأخيرة إلى مجالات عملية تطبيقية عدة مثل فلسفة البيئة، وفلسفة الفيلم أو السينما، وغيرها الكثير من المجالات التي دخلتها الفلسفة أخيرًا. فقد انتقلت الفلسفة من كونها حقلًا نظريًا خالصًا يناقش قضايا الوجود الكبرى، إلى حقل متعدد الأبعاد يسهم بشكل فعال في معالجة قضايا علمية وتطبيقية عملية تتعلق بمختلف جوانب الحياة، إضافة إلى أن الفلسفة أصبحت تقدم أدواتها المنهجية والمفاهيمية للعلوم لتحليل الظواهر وتفكيكها تمهيدًا لتقديم حلول وجيهة للمشكلات التي تواجه المجتمعات، ولعل أبرز المجالات العملية التطبيقية التي اهتمت بها الفلسفة مؤخرًا هي «فلسفة التكنولوجيا».
تقدم «فلسفة التكنولوجيا» نفسها بوصفها فلسفة القرن الحادي والعشرين، فقد حققت هذه الفلسفة تقدمًا كبيرًا بفضل اعتمادها على المناهج العابرة للتخصصات والبينية. وهذا الذي جعلها تعالج قضايا معرفية، وبيئية، وثقافية، واجتماعية منها على سبيل المثال: تجربة الإنسان مع التكنولوجيا، والطرق التي تشكل بها التكنولوجيا رؤيتنا للعالم المحيط بنا. تعالج «فلسفة التكنولوجيا» أيضًا العلاقة بين الإنسان والبيئة، فإذا كانت للتكنولوجيا فوائدها الواضحة للعيان، إلا أنها قد تسبب أضرارًا للبيئة، والتي تصل، في بعض الأحيان، إلى تدمير البيئة الطبيعية نفسها بأشيائها وكائناتها الحية.
وتكشف «فلسفة التكنولوجيا» أيضًا العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع، عندما توضح أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات أو وسائل مادية، بل تمثل «سلطة» مُوجَّهة. أو بعبارة أخرى، تمثل التكنولوجيا سلطة مستقلة عن المجتمع. بيد أنها، في حقيقة الأمر، تشكل المجتمع بأفراده ومؤسساته عبر أفكار، وتصورات مسبقة، ومفاهيم تحمل، في بعض الأحيان، أشكالًا من التحيز الأيديولوجي. تحدد تلك الأفكار، والتصورات، والمفاهيم العلاقات والأدوار المختلفة في المجتمع. فعلى سبيل المثال، قد تُغذى تكنولوجيا التعرف على الوجه بخوارزميات متحيزة ضد عرق بعينه، أو لنوع بيولوجي على آخر. فقد وجدنا العديد من هذه التكنولوجيات تتحيز ضد أصحاب البشرة السمراء وتصفهم بأوصاف عنصرية. تحمل التكنولوجيا قيم منتجيها، ومعتقداتهم، وثقافتهم، الأمر الذي ينفي حيادية التكنولوجيا أو موضوعيتها، فقد تعمل التكنولوجيا على تعزيز التفاوت بين الطبقات في مجتمع ما، وقد تصبح أداة للهيمنة الاجتماعية، وهذا لا يمنع أن تكون التكنولوجيا أداة لتحرير الإنسان إذا تضمنت التكنولوجيا قيمًا أخلاقية.
ولكن لا يزال صديقي مهندس البرمجيات رافضًا أن تكون ثمة علاقة بين التكنولوجيا والمجتمع بالمفهوم الذي عرضته للتو. وحجته هي: أن التكنولوجيا ليست أكثر من أداة مُشيدة على أسس علمية وموضوعية محايدة تخلو من أي قيمة أو تحيز، فالتكنولوجيا ليست خيرة أو شريرة في ذاتها، ومن ثم لا يجوز الحكم عليها استنادًا إلى قيم أخلاقية أو مبادئ. وإذا كانت «الفلسفة» لها مجال بحثها الخاص بها، فلماذا، إذًا، تحاول أن تُقحم نفسها في التكنولوجيا؟ أليس الأفضل أن تُترك التكنولوجيا لأصحاب المشروعات الصناعية الضخمة، ومن لديهم الخبرة بأبعادها، وأهدافها، وغاياتها، ووظائفها، واتخاذ القرارات الصائبة بدلًا من التفكير في فلسفة للتكنولوجيا، أو طلب العون من الفلاسفة؟
تأثير التكنولوجيا
يغفل صديقي تأثير التكنولوجيا في البُنى الاجتماعية، والثقافية للمجتمعات، فالسيارة تجمع بين ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي في الوقت نفسه، فقد تكون سيارة ما رمزًا لمكانة اجتماعية معينة في مجتمع ما من المجتمعات، وقد تكون أيضًا مجرد وسيلة تكنولوجية تحمل مهام محددة في مجتمع آخر، إضافة إلى ذلك، قد يُضاف كماليات معينة عند تصميم سيارة ما لخدمة طبقة اجتماعية معينة، أو التقليل من هذه الكماليات لكي تتناسب مع مستوى دخل أفراد مجتمع آخر. وهذا يفسر لماذا لا تنفصل البتة السياقات الاجتماعية بما تحمله من قيم، ومعتقدات، وأيديولوجيات، ورغبات، وأغراض عن التكنولوجيا، فالتكنولوجيا تشكل مفاهيم المجتمعات عن العمل، والإنتاج، وطرق تفاعل الأفراد بعضهم بعضًا.
تطرح «فلسفة التكنولوجيا» أسئلة معقدة عند معالجة العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع من قبيل: مَنْ يُشكّل مَنْ: هل التكنولوجيا هي التي تشكل الإنسان وأفكاره، وتصوراته، ومجتمعه، أم العكس هو الصحيح، بمعنى أن الإنسان هو من يشكل التكنولوجيا ويوجه مسارها؟ ولهذا، تكمن إحدى مهام «فلسفة التكنولوجيا» في الكشف عن الأبعاد الثقافية، والقيمية القابعة خلف التكنولوجيا. فالتكنولوجيا ليست، كما يزعم صديقي، مجرد أدوات، أو وسائل مادية محايدة، أو موضوعية، بل قد تمثل «سلطة» تحدد لنا الطريقة التي نفكر بها، ونشعر، ونسلك في هذا العالم، ونتفاعل مع أحداثه.
هل تتفق معي يا صديقي أن التكنولوجيا هي، في الأساس، مُنتج بشري تشكله المصالح والقيم البشرية. فهي مُحَملّة بمصالح نفعية سابقة على عملية الإنتاج. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الزعم بأن القنبلة الذرية بوصفها تطبيقًا تكنولوجيًا للمعرفة العلمية النظرية تخلو من قيم، وأفكار، وتصورات سياسية. ولا يمكن أن نظن أن المباني الخرسانية والساحات الضخمة التي شُيدت في حرم العديد من الجامعات الأمريكية في الولايات المتحدة أثناء حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين بوصفها تكنولوجيا، تخلو من أفكار، وتصورات أهمها السيطرة على المظاهرات الطلابية ونزع فتيلها.
عوالم جديدة
تؤكد «فلسفة التكنولوجيا»، أن ثمة تداخلًا بين الأيديولوجي، والتكنولوجي، والإبستيمولوجي، والمعلوماتي، وهو تداخل نتج عنه عوالم جديدة، وآليات لتفكيك المجتمعات، وإدارتها معرفيًا بهدف هيمنة سلطة ما اعتمادًا على خطابات أيديولوجية تسّوغ الحتمية التكنولوجية. ولهذا ليس بمستغرب أن نجد «فلسفة التكنولوجيا» تتعامل مع التكنولوجيا ذاتها بوصفها «خطابًا» له قصدية معينة، ويسعى إلى إيصال معنى ما إلى مستخدمي التكنولوجيا.
ودعني أستشهد بالفيلم الوثائقي الدرامي «المعضلة الاجتماعية» الذي أنتجته شركة نيتفليكس العام 2020م. يكشف هذا الفيلم الوثائقي الدور الأيديولوجي الخفي الذي تقوم به شركات التكنولوجيا الرقمية مثل «غوغل»، و«فسيبوك»، و«إنستغرام»، و«إكس» على منصات التواصل الاجتماعي. حيث صُممت هذه المنصات وفقًا لخوارزميات معينة تجعل مستخدمي هذه المنصات هم من يقدمون المحتوى الذي يجعل هذه المنصات تستمر في التحكم بالمعلومات الشخصية والبيانات، وفي الوقت نفسه، تحقق هذه الشركات التكنولوجية الرقمية أرباحًا طائلة جراء تلاعبها بعقول المستخدمين من خلال خوارزميات تستغل نقاط ضعفهم النفسي.
ودعني يا صديقي أسترشد بمثال آخر من تخصصك أنت نفسك، أعني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. تكشف «فلسفة التكنولوجيا» بعدًا مهمًا في الذكاء الاصطناعي وهو أنه «خطاب» يشكل وعي وقيم مستخدميه، ويحدد طرق فهمنا للأشياء، وإضفاء المعاني عليها. أو بعبارة أخرى، يتحكم خطاب الذكاء الاصطناعي بنظامه الرمزي المُشفر في الطرق التي نتعرف من خلالها على العالم، وعلى الآخر، وعلى ذواتنا من جهة، وعلى الطريقة التي تبدو منطقية عندما نتحدث بها عن موضوع ما من الجهة الأخرى. وعلى الرغم من أن خطاب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يروج لنفسه على أنه محايد وعالمي، إلا أنه يُقصي المختلف أو يهمشه، ويرّوج لأشكال من التمييز والتحيز. فعلى سبيل المثال، قامت شركة «أمازون» بتوظيف الذكاء الاصطناعي في اختيار أفضل المواهب للالتحاق بالشركة، وذلك من خلال مراجعة السير الذاتية للمتقدمين مراجعة آلية. كانت المهمة المكلف بها الذكاء الاصطناعي هي اختيار المرشحين وفقًا لمقاييس محددة سلفًا من مبرمجي برنامج الذكاء الاصطناعي. الأمر الذي جعله يختار بعض المرشحين حتى تمضي الشركة في توظيفهم واستبعاد آخرين، إلا أن تقييمات الذكاء الاصطناعي كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون محايدة. فقد عمل مبرمجو برنامج الذكاء الاصطناعي التابع لشركة «أمازون» على تغذية النظام بمصطلحات وكلمات تعكس تحيزًا ذكوريًا، الأمر الذي جعل نموذج التعلم الآلي ينتهي إلى أن النساء لا يصلحن إلى تولي الوظائف في هذه الشركة، وبالتالي استُبعدن من الترشيح.
لقد ركزت «فلسفة التكنولوجيا» على دراسة التداعيات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية على المجتمعات، وعلى التقاطعات بين المجتمع والتكنولوجيا الرقمية، وذلك بالاعتماد على تحليل الخطاب الرقمي، والنصوص المحوسبة، وشبكات التواصل الرقمية بهدف مقاربة القضايا الاجتماعية، والسياسية، والثقافية المثارة نتيجة عملية التقاطع تلك مقاربة نقدية. إذًا، تتمثل أهمية «فلسفة التكنولوجيا» في التحليل النقدي لخطاب التكنولوجيا وتفريغ شبكتها المكونة من الإنسان، والآلات، والأفكار؛ بهدف تحليل حقيقي للتبعات الاجتماعية المترتبة على التكنولوجيا التي قد تُوجه بالأيديولوجيا في بعض الأحيان.
ودعني يا صديقي أبرهن لك على أهمية «فلسفة التكنولوجيا» في حياتنا من خلال السعي إلى استحداث أنواع من التكنولوجيا ستغير من مصير البشرية. أقصد التكنولوجيا الحيوية التي تعتمد على الهندسة الوراثية، وعلم الصيدلة، والهندسة البيولوجية، وطب النانو. تعمل هذه التكنولوجيا على تحسين وظائف الإنسان إلى أبعد مدى يمكن أن نتخيله، كتحسين القوة العضلية للإنسان، والقدرة على التحمل، والرؤية وغيرها من أشكال الطموح التي تسعى هذه التكنولوجيا إلى استحداثها بهدف الوصول إلى الإنسان الفائق أو «السوبر إنسان»، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك مظاهر تقدم تكنولوجي خطرة منها صناعة الفيروسات القادرة على الانتشار السريع، وإحداث أنواع من العدوى المميتة. ولا يمكن أن نتجاهل قدرة تكنولوجيا النانو على استحداث أسلحة لها قوة تدميرية هائلة بالمقارنة بقدرة القنابل النووية والذرية. أليس كل هذا يا صديقي العزيز يحتاج إلى إعادة تفكير في حيادية التكنولوجيا وموضوعيتها؟ أليس كل ما ذكرته لك يجعلك تعيد النظر في دور «الفلسفة» عامة، و«فلسفة التكنولوجيا» خاصة، والدور الذي تقوم به في التصدي النقدي لمحاولات بعض أنواع التكنولوجيا التخفي وراء مفاهيم، وخطابات، وثقافات، وسياسات معينة؟ أليس كل هذا التطور المتسارع في أنواع التكنولوجيا يجعلنا نستعين بالفلسفة لكي تقدم لنا منظومة أخلاقية مسؤولة تجعلنا قادرين على توجيه اللوم إلى التكنولوجيا واتخاذ مواقف أخلاقية منها؟ ألسنا في حاجة يا صديقي إلى «فلسفة التكنولوجيا» كونها الفلسفة التي تقدم نفسها من خلال أدوات معرفية ومنهجية نقدية تحليلية للحيلولة دون توظيف التكنولوجيا لممارسة تحيزات من أي نوع وترسيخه في المجتمعات؟
رؤى مستقبلية
إن المستقبل يا صديقي ليس للتكنولوجيا فحسب، بل للفلسفة القادرة على تقديم رؤى مستقبلية للإنسان من خلال تحديد الأدوار التي ينبغي على التكنولوجيا أدائها لتحسين حياة الإنسان. وهذا الذي يجعل لفلسفة التكنولوجيا أهميتها المجتمعية كونها توحد بين العلمي التطبيقي والقيمي الأخلاقي اعتمادًا على قيمة احترام التعددية، والتنوع، والاستقلال، وخصوصية المجتمعات. واسمح لي أن أختتم هذا الحوار المثمر بعبارة أظن أنها تلخص الفكرة التي أردت إيصالها وهي «أن تطور التكنولوجيا من دون تطور المسؤولية الأخلاقية قد يؤدي إلى تدمير البشرية قاطبة» ■