أقلام

قراءة انطباعية لصلاح بن هندي في (ثمالة الغوص) (١)

رباب حسين النمر

وصل إلى يدي كتاب (ثمالة الغوص) لصلاح بن هندي إحدى أمسياته الثقافية التي استضافته في دار نورة الموسى للفنون، حيث كان بن هندي ضيفًا يتحدث عن تجربته، فاهدى الحاضرين والحاضرات نسخًا من كتابه. ثمالة الغوص كتاب قصص صادر عام ١٤٤٦ للهجرة عن دار نضد للنشر والتوزيع بالخبر، ويقع في ٦٧ صفحة من القطع الصغير.

العنوان :

الثمالة هي ما تبقى من الشراب في قعر الإناء، وهي كناية عن الاستغراق في الأمر حتى عمقه أو الوصول إلى نهايته والحصول على خلاصته. ويقدم لنا الكتاب فلاشات مصورة عن حياة الغوص، حيث كانت مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ منتشرة في الخليج العربي. ويستعرض ابن هندي بيئة الغوص الخليجية قديمًا فيقول في المقدمة ( وما أشجع بحارة الخليج حين دخلوا البحر على متون خشبهم التي صنعها قلاليفهم عرايا إلا من وزرة بالية تستر عوراتهم وأجسامهم السمراء التي لوحتها الشمس. جاؤوا إلى البحر ليوقضوا أمواجه ويقضوا مضجعه. نزل غاصتهم قاعه دون سلاح ممسكين بحبل الزيبل الذي ُرُبط به رصاص أو حجر ثقيل كي يسرع وصول الغيص إلى قاع البحر، كل واحد منهم يضع الفطام على أنفه والمكتل الديين في عنقه كي ينزعوا المحار من فك البحر المفترس، ووحوش البحر تحدق بهم، فإذا امتلأ المكتل بالمحار وأحس الغيص بانقطاع نفسه حرك حبل الجدا المتصل بالمكتل إشارة منه للسيب الذي يقف على سطح السفينة بأن يجر الحبل. فإذا صعد إلى السفينة نثر السيوب هذه المكاتل وراحوا يفلقونها بمفلقة تعودت على فتح فم المحار كي ينطق بالدر واللآلئ التي في جوفه. هذا اللؤلؤ ما أغراهم لمصارعة البحر وأهواله، وجعلهم يتحدّون أبا البحر (بودرياه) الذي ربما كان بوسيدون كما عند الإغريق، ونبتون عند الرومان.)، ويضيف: ( سوف نرى حياة البحارة في الخليج، كيف انتصروا على البحر وأهواله ولكنهم انهزموا وضعفوا حين واجهوا ظلم الإنسان لأخيه الإنسان فكان البحر أهون وأحن عليهم من بعضهم البعض).

قراءة الغلاف:

الغلاف هو العتبة الأولى التي يلتقيها المتلقي بصريًا ووجدانيًا لتقوده إلى أجواء النص. أول ما يلفت نظر المتلقي في الغلاف الأمامي هو العنوان المباشر (ثمالة الغوص) ويبدو أن العنوان عتبة عبرت بصدق عن مضمون الكتاب، وكذلك العنوان الفرعي (قصص) حيث يعتمد على السرد والرصد لبيئة الغوص. كما يلفت نظر المتلقي الفضاء الأزرق الذي يبدأ بالبحر من أسفل الصفحة وينتهي بالغيوم والسماء الزرقاء في أعلاها، ومتوسط الصفحة سفينة شراعية من الطراز المستخدم في الدول الأوربية، وكانت العتبة ستكون أكثر صدقًا وتعبيرًا لو حلت محل هذه السفينة مركبًا خشبيًا من الطراز المستخدم في الخليج العربي أيام الغوص مثل ما يعرف بالبوم، ليكون أكثر تناسقًا مع مضمون الكتاب. وفي الغلاف الخلفي اختار الناشر مقطوعة من إحدى القصص لا تزيد عن بضعة أسطر بغرض عرض عينة نصية من الكتاب لجذب المتلقي وإغرائه بالشراء.

ظواهر وعادات:

رصد ابن هندي مجموعة من الظواهر والعادات والتقاليد في مجتمع الغوص وما تلاه من زمن، مثل:

١. تزيين المنازل والمجالس بنماذج مصغرة لسفن الغوص ومعدات صيد اللؤلؤ، يقول في نص (سبع البحر):”دخلنا بيتًا فسيح الفناء يوجد به أنموذج لسفينة من نوع البوم السفاري الذي كنت قد قرأت عنه ” ويتابع:” فرأيت معدات البحر التي أعرفها والتي لا أعرفها، شيء علق على الجدران وأشياء وضعت على الأرض”.

٢. الطقوس البحرية التي تقيمها النساء حين ينتظرن أزواجهن عند الشاطئ مع المراكب الراجعة من رحلات الصيد، وهي من العادات المتوارثة، يقول في نص مركب بلا علم:” هاهي تقف على سيف البحر وحولها مجموعة من النسوة اللاتي أتين إلى هنا لاستقبال أزواجهن العائدين من رحلة الغوص…. هاهم النسوة يقمن بطقوس بحرية ورثنها من الأمهات والجدات.. اقتربت إحداهن من البحر وبيدها طاسة معدنية تخاطب صويحباتها. هذي مله الحلول. أحله؟ فأجبنها بصوت واحد: حليه. – وهذي السعفة، أشويه؟ – اشويه. – وهذي قطوة وليدي أغطسها؟ – غطسيها. ثم راحت تدعو: الله يجيب وليدي وهلي”.

٣. تنكيس العلم عندما يعود المركب وقد مات أحد أفراده، يقول في نص مركب بلا علم:”اضطرب قلب كل امرأة واقفة على سيف البحر لأن المركب لا يرفع علمًا وتلك علامة الموت. لأن من عادة البحارة حين يموت زميل معهم في المركب يحزنون عليه فلا يرفعون العلم كالعادة”.

٤. تنظيم الوجبات على ظهر السفينة بما يتناسب وهدف رحلة صيد اللؤلؤ، يقول في نص خلاف فوق ألبوم:”كان المتعارف عليه بين البحارة أنهم يتناولون على ظهر السفينة وجبة واحدة هي العشاء، ثم ينامون، كي يستيقظوا مبكرين لأداء صلاة الفجر ثم يبدؤون أعمال الغوص بحثًا عن اللؤلؤ”.

٥. أن يسد الولد مسد أبيه في مهمته البحرية حين يعجز الوالد عن الوفاء بها وعليه دين، يقول في نص الفخاخ الناعمة: “السيب مرزوق لم يعد قادرًا على حر الزيبل الذي يربط فيه الحجر، فكيف يجر الجدا المتصل بالديين الذي يمسك به الغيص؟ لقد انكسرت يده اليمنى كسرًا مضاعفًا حين سقط على الأرض وهو يسير في زقاق موحل، ولأنه لا يملك قيمة الدين الذي عليه للنوخذة، توجب أن يؤخذ ابنه لكي يسد هذا العجز الذي ألمّ به”.

٦. حين يعجز البحار عن سداد دينه المتراكم عليه للنوخذة يبيع بيته، يقول بن هندي في نص الفخاخ الناعمة:” في عالم الغوص يظل البحار ولا سيما السيب والرضيف مديونًا للنوخذة طول حياته، وحين يكبر أو يعجز عن العمل فعليه سداد الدين الذي تراكم عليه وإذا لم يستطع باع بيته، أو ناب عنه ابنه أو أخوه”.

٧. عدم قدرة الفتاة على اختيار من تشاء الزواج منه إذا اتخذ والدها القرار، يقول بن هندي في نص حياة تحت الأمواج:” ولكي يقهرني والدي تزوج حبيبتي فجن جنونها لأنها كانت تظن أنه جاء ليخطبها لي. لكن حدث ما حدث، فقد عقد عليها دون أن تعلم أنه الزوج لا أنا. وفي عرف حارتنا الظالمة أن البنت لا يجوز لها أن تعترض على أمر والدها”

٨. كتابة التمائم والأحراز على مؤخرة السفينة منعًا للعين الحاسدة، يقول بن هندي في نص تساؤلات القلاف:”أن بعض الكتابات والنقوش التي تكون على بعض السفن ولا سيما سفينة البغلة ربما كانت حروزًا وتمائم فهناك من يرسم عينًا على مؤخرة السفينة منعًا للعين الحاسدة”. يتبع ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى