سرقة الكتب
يوسف الحسن
يناقض عنوان هذا المقال مقولة أن السارق لا يقرأ وأن القارئ لا يسرق ،الذي يقتضي ألا يقوم بائع الكتب بحراسة كتبه، ولكن الواقع يخالف هذه المقولة عبر أحد الأمراض الجميلة وهو مرض bibliokleptomania ويعني بالعربية سرقة الكتب. وهناك صلة بين هذا المرض ومرض الببليومانيا (هوس الكتب)، ولكن الفارق بينهما أن الأول يعني الاستحواذ على الكتب بطريق غير شرعي وهو السرقة، سواء من المكتبات العامة أو الخاصة أو حتى من معارض الكتب، بينما الثاني هو مجرد جمع للكتب. وقد يصل الأمر بالمصاب بهذا المرض إلى أنه يضع للكتب الأولوية مقابل أي شيء آخر، حتى إنه لو وقع حريق في منزله مثلا فإن أول ما يفكر بإنقاذه هو كتبه قبل حتى أقرب الناس إليه.
والمشكلة في مرض bibliokleptomania أن المصاب به لا يشعر بذنب من قيامه بالسرقة، بل إنه قد يجد مبررات لهذا العمل كما حصل مع (ستيفن بلومبرج) الذي يُعد أكبر سارق للكتب في العالم بمجموع بلغت حصيلته أكثر من اثنين وثلاثين ألف كتاب ضمت نسبة كبيرة منها كتباً نادرة وبعض المذكرات الأصلية، علاوة على قيامه بسرقة أموال أنفقها على شراء الكتب. فعندما اعتقل بلومبرغ وكل محامياً للدفاع عنه حيث برر سبب قيامه بذلك أنه كان يحاول تحرير هذه الكتب من الحكومة، التي زعم إنها كانت تحاول منع الناس من الاطلاع على الكتب النادرة، وأنه يعد نفسه أمينا عليها فقط. ورغم ذلك فقد حكم عليه بالسجن لاثنين وأربعين عاماً تم تخفيفها إلى عامين مع إرجاع الكتب التي سرقها، وذلك بعدما أثبت محاميه أنه كان يعاني من سلوك قهري كان يدفعه إلى السرقة.
أما تاريخياً فإن أشهر سارق للكتب كان الدوق ليبري (القرن التاسع عشر) من فرنسا الذي دفعه حبه للكتب إلى القيام بسرقات كبرى للمكتبات العامة، وعندما وجه إليه اتهام بالسرقة هرب إلى إنجلترا ومعه ثمانية عشر صندوقاً محملاً بالكتب ولم يقم إلا بإعادة كتاب واحد فقط.
ويقول مؤلف كتاب تاريخ القراءة (البرتو مانغويل) بأن سرقة الكتب لم تكن تعد جريمة في القرن السابع عشر الميلادي في حال لم يقم سارقها ببيعها. كما أشار مانغويل إلى قيام الرومان بسرقة المكتبة الوطنية المقدونية ومكتبات أخرى ونقلها إلى روما.
وقد حصلت في نهاية العام 2019 حادثة سرقة شهيرة كان بطلها السفير المكسيكي في الأرجنتين (أوسكار ريكاردو) الذي حاول سرقة كتاب من مكتبة شهيرة في الأرجنتين حيث رصدته كاميرات المراقبة. والمدهش في الحادثة أن قيمة الكتاب لم تكن تزيد عن عشر دولارات كلفته منصبه حيث تم استدعاؤه إلى المكسيك وقبول استقالته لدواعي صحية ! والآن ومع كل هذه الحيثيات هل يمكن تصنيف سرقة الكتب بالجريمة أم الجنحة أم إنها مجرد سرقة بيضاء؟