أقلام

ورطة سفر! الثامنة

صادق العليو
في حلقتنا السابقة ( السابعة) توقفنا بورطتنا عند بدئنا للفصل الثاني من مقابلات المرشحين لأختيار فنيين وأخصائيين لمشروع مستعجل التنفيذ ولايتحمل طلب المهلة أو التمديد ، ولذلك سافرت اللجنة على عجل وبقيت منذ وصولها تعمل بدون وجل واقفة على قدم وساق ومع الزمن في سباق عساها تنجح في أختيار المناسبين من العماله الماهرين لتعودد ضمن الوقت المحدد فتبيض الوجه ومايزعل أحد .

ومن المعروف في فن المقابلات أن المرشحين يحضرون معهم كل مايخص سيرتهم من خبرات او شهادات والبعض اعتقادا منه انه كل ماكانت سيرته مليانه وملفه ثقيل والكلام فيه مفبرك وكثير مع الصور والمرفقات ، صار حظه اوفر في نزع فرصة الوظيفة وللآخرين يترك الحسرات ، ونوعا ما هذا التصرف مقبول لولا المبالغة فيما ليس بمعقول ، ولذلك كان وجودي بالصف الأمامي بلجنة التقييم اهم موقع لفرز الطلبات الحقيقية من تلك التي ملغمة تلغييم ، وياما شفت في هذه الطلبات من مهازل ومطبات اكاد أن أفترش الأرض ضحكا وأصيح بالقهقهات ، فأغلبها مكتبوب بصيغة شبه موحدة وكأن كاتبها شخص واحد ويعمل لوحده ، فالنصوص متشابه والأقام متطابقة وحتى صور الشهادات نفسها بل ذاتها بالختم والتوقيع والحركات ، (يعني الأخ المزور ماتعب نفسه إلا بتغيير الأسم فقط ) وهات اطبع واستنسخ وبيع وأربح من هالمساكين واللي موعارفين ولافاهمين وحتى اني شفت شهادة بتوقيعي لشخص لم يكن قد عمل لدينا اصلا ولكنه دبر حاله إفتراضيا وقال في نفسه الملف مليان وماراح يلتفتون لهذا البيان ،،،،، .

وكنا في حيرة خطيرة فبعض من احضرا هذه السيرة هم مخالفين ومدلسين بالطبع ولكن فيهم كمية من الفنيين لابأس بها وخبيرة ، ونحن في النهايه يهمنا اختيار المهارات وليس توثيق السير الذاتية والشهادات … فوضعنا إستيراتيجية عاجلة مفادها ان من نكتشف تدليسة نحوله الى لجنة تختبره على الطبيعة لشرح تنفيذ مهمات صعبة وفظيعة ، فأن أجادها شرحا وتطبيقا كان لتوظيفه عندنا حجة وذريعة بشرط ان يوافق على عرضنا ويكمل وثائقة ويجهز نفسه للسفر في اول فرصة سريعة ، وبذلك نكون قد حققنا نتائج مرجوه وسرنا على الخطة بإهتمام بعد أن شابها الكثير من التعب والزعل ثم العتب والوئام .

وفي احد ليالي المقابلات المضنية ونحن نشارف على تحقيق الأهداف المرجوة من عدد العمالة المطلوبة في هذه المهمة المفروضة ، تفاجأ فريق العمل بطلب وصلنا عن طريق سواق المدام صاحبة الوكالة بأننا مدعوين لسهرة عشاء ترفيهية وخاصة في احد المطاعم بالعاصمة ولذالك طلب منا الأستعداد سريعا وتأجيل مالم ينجز من الأعمال الى الغد حتى نستعد للذهاب للفندق ثم حيث الدعوة لقضاء باقي السهرة ، وقد كانت هذه مفاجأه فنحن نستحق شوية راحة ولكني بين الباقين اخذت افكر اين سيأخذوننا وأغلب أماكنهم من النوع اللي مايستحون ولاينتخون والأكل طبعا اي شي إلا الحلال ، يعني مو معقول بعد كل هذا التعب ، نقبل نروح لاناكل مثلهم ولامعاهم نلعب ،،، وبدأ ابليس اللعين يتصارع مع نفسي الحزين ويراودني بالقبول ، وبعدها قررت ان احط شروط أن قبلوها وافقت على طول ، فهذه السهرة المفاجأه والله يعلم شنو فيها من اهوال والله يستر الحال ، فيا يقبلون او عني يتخلون وهم كيفهم يروحون بقلعة وادرين ماعلي منهم  .

أتصلت بالمديرة وشكرتها على الدعوة المثيرة وحاولت ان اعتذر اعتذار متشكك في نواياهم المريبة والخطيرة ، وتذرعت بالتعب والرغبه بالخلود الى مخدتي وفراشي لأمدد جسمي والتقط أنفاسي ، ولكنها وبكل ذكاء حاذق صارحتني قائلة لقد لاحظتك مختلفا عن باقي اعضاء اللجنة في التحفظ والسلوك حتى انها افرغت مكتبي لك لأداء الصلاة في كل مرة تحتاج أداء الفرض بينما الآخرين في إنهماك ، وتقبلت تحفظاتي مؤكدة أن السهرة برئية والأماكن سياحية وعائلية وليست جريئة ، وكل اكلاتهم بحرية وان احببنا ان نصيدها من احواضهم ونشرف على طبخهم فلامانع من المشاركة ، وقد كان المختلف في الأمر أن هذا المطعم المشهور يرتاده الكثير من الجمهور ليشاهدوا ماهو فريد من تأدية العاملين فيه لوصلات تمثيلية وغنائية بينما يخدمون الحضور ، وهو أشبة بمسرح مفتوح يعملون ويخدمون ويمثلون ويغنون بنفس الوقت ، ولاتستغرب ان يسألك الجرسون الطلب وبينما يسجله يترنم بصوت عالى مرددا مقطع اغنية يشارك به زملائه الجراسين في الصالة ، وكم مرة يطلع الطباخ حاملا المقلاة او القدر من على النار وهو يغني وينشد الأشعار ، ثم يعود للمطبخ وكأن شيئا ماصار .

نعم كانت السهرة فريدة وغريبة نوعا ما فلم نعهدها من قبل وكنا نخاف ان نتخطف بأسياخ الشواء التي تدور في الصالة بين ايدي الطهاة المغنين والجراسين الراقصين ، ولا نعرف ما نسميه هل هو مسرحية مفتوحة أم حفل فلكلوري راقص او مطعم سياحي ام كل ذاك ، والعجيب بين كل هذا ان جودة الطعام وطعمه كان لذيدا ومتميزا ، وحتى نوع الأسماك وطريقة التقديم والخدمة كلها غير اعتيادية ، وعلمنا لاحقا ان المطعم يقال له ( مطعم الطهاة والخدم المغنيين ) وهو نموذج مستنسخ لمطاعم مشابهة خارج البلد وفي قارات أخرى بعيدة ، وجلسنا تلك الليلة نحاول الأكل قليلا والتفرج قليلا والظحك كثيرا ، ولما انتهي العرض كانت اجسامنا قد أحست بالأجهاد فقد واصلنا التعب طول اليوم مع السهر وكان لابد من الرقاد حتى تمنيت ان لايوقضني احد غدا ولكن ماباليد حيله ولابد من اكمال هذه المهمة الشبه مستحيلة.

وبعدها رجعنا للفندق وكل واحد من الزملاء نايم على كتف الآخر وبعضنا لم يستحي وفتح المايك وقام يشخر طبعا من التعب مع العذر ، وأنا أقف هنا ومنكم أعتذر لأن خلصت الصفحة ولابد من اكمالها بحلقة جديدة حتى لاتملون من الموضوع وتهدوني في حيرة أمر،،، فأنتظروني!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى